فقد ابتدعها بديع الزمان الهمذاني فلم يجعل محورها حبا ولا غرامًا كما يفعل الروائيون ولم يجعل محورها شيئا يتصل بأدب الروح ولكنها كلها "أدب معدة"، فأبو الفتح الإسكندري بطل المقامات كلها، رجل مكر واحتيال يصطنع جميع المهن لابتزاز الأموال، تراه مرة قرادًا يسلي الناس ويضحكهم ومرة واعظا مزيفا يعظ وينصح ثم تتكشف حيله فإذا هو مهرج.
وجاء الحريري فجعل مكان أبي الفتح الإسكندري أبا زيد السروجي وهو كصاحبه دناءة نفس وخساسة حرفة".
أبهذه الجرأة يحكم أحمد أمين على فن المقامات.
يلاحظ أولا أن أحمد أمين لم يفهم أغراض الحريري وبديع الزمان فهو يتوهم أنهما يحاولان إغراء الجماهير بالإقبال على ما في تلك المقامات من شمائل وخصال بينما الغرض من تعلم المقامات عند بديع الزمان هو نقد الحياة الاجتماعية والأدبية في القرن الرابع.
وغفل أحمد أمين أن للفن غاية أخرى؛ وهي النظرية التي تقول بأن للفن والأدب غاية أصيلة هي الصدق في وصف ما ترى العيون وما تحس القلوب وما تدرك العقول.
ثم يقول: هل يطلب من الكاتب ألا يغفل وصف الطفيليين لئلا يقال: إن أدبه أدب معدة.
أتحبون أن تعرفوا من أين وصل الخطأ إلى الأستاذ أحمد أمين!
وصل إليه الخطأ من التلمذة للأستاذ الكبير طه حسين؛ فقد حكم الدكتور طه بأن العصر العباسي عصر شك ومجون لأن فيه عصابة