للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البارودي اختار لثلاثين شاعرًا من خيرة شعراء الدولة العباسية. وكانت مختاراته في أربعة أجزاء كبار، فكان ما اختاره من المديح ٢٤٨١٥ بيتا ومن الأدب ١٩٦٧ بيتا ومن الغزل ٤٦١٦ بيتا ومن الهجاء ١٢٢٩ بيتا ومن الوصف ٣٩٩٣ ومن الزهد ٤٧٣ بيتا ونظرة واحدة إلى هذا الإحصاء تدهشنا أشد الدهش إذ تبين لنا طغيان أدب المعدة -وهو المديح والهجاء- على أدب الروح طغيانا كبيرًا، هذا هو أحمد أمين الذي يدرس الأدب بالإحصاء والذي يقيس الدواوين الشعرية بالمتر والباع والذراع.

لو كان أحمد أمين يدقق لعرف أن طغيان المديح على الزهد كان من علائم الحيوية في العصر العباسي، فهو الشاهد على أن العرب كانت حياتهم تتزاحم بالأخطار الدنيوية وهو الشاهد على أنهم كانوا أهل نجدة وأريحية, وهو الدليل على أنهم كانوا يحيون حياة تفيض بمعاني الأفراح والأحزان وتتسم بعلائم القوة والكفاح.

٤- يعلن١ الأستاذ أنه يحتقر المعدة ليصح له التطاول على ماضي الأدب العربي، واحتقار المعدة لا يقوم على أساس من الواقع ولا من المنطق وإنما هو مجاراة للعوام الذين يصعب عليهم أن يدركوا أن النفس تتبع الجسم والصحة والمرض والقوة والضعف.

والواقع أننا عبيد لحواسنا وأعصابنا، وأن جمهورنا مدين في تكوين ذوقه وعقله إلى ما يأكل وما يشرب.

يقول أحمد أمين:

"ثم انظر بعد إلى الفن المبتكر في العصر العباسي. وهو فن المقامات


١ الرسالة ٣ يوليه ١٩٣٩ "المقال الرابع".

<<  <   >  >>