للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سببا في هذه البغضاء. ولو خالجني هذا الشعور بعد خصومته للعقاد لوجدت بعض التفسير، فأنا لا أنكر أنني شديد الغيرة على هذا الرجل. شديد التعصب له, وذلك ينتجه فهم صحيح لأدبه واقتناع عميق بفطرته، لا يؤثر فيه أن تجف العلاقات الشخصية بيني وبينه في بعض الأحيان,

ولقد كنت أكره نفسي بعد ذلك على مطالعة الرافعي فتزداد كراهية لهذا اللون من الأدب، دون أن أجد التعليل، ذلك أنني كنت إلى هذا الوقت أديبا يتذوق فحسب، لا ناقدًا يستطيع التعليل ويصبر على التحليل, والرجل قد مات فما تحسن القسوة عليه, ولكن لا يصح أن يكون الموت معطلا للنقد, ولهذا سأتحدث عنه كما لو كان حيا؛ لأن الذي يعنيني هو إنتاجه الأدبي.

كنت أشك في "إنسانية هذا الرجل، قبل أن أشك في قيمة أدبه، وكنت أزعم لبعض إخواني أنه خواء من "النفس" وأن ذلك سبب كراهيتي له، ولو أني لم أره مرة واحدة ولم أجلس إليه.

ولذلك كان همي أن أبحث فيما كتب الأستاذ العريان عن حياته لا عن أدبه, وكان يهمني أن أعثر في ثنايا هذه الحياة على نفس وعلى إنسانية.

ولهذا اعتبطت، إن لم أقل دهشت، حينما رأيت الأستاذ سعيدا يذكر للرافعي "حبا" وحدثنا عن مظاهر هذا الحب وخطواته, ذلك أن خيالي المنبعث من قراءتي للرافعي لم يكن يطوع لي أن ألمح إمكان وجود هذه العاطفة في حياته؛ فالحب يتطلب قلبا، وكنت أزعم أن ليس للرجل قلب والحب يقتضي إنسانية وكنت أفتقدها فيه.

ولقد ظللت هكذا حتى استطعت أن أكون ناقدا، لا يكتفي بالتذوق والاستحسان أو الاستهجان ولكن يعلل ما يحس ويحلله فماذا كانت النتيجة؟

لقد عدلت حكمي قليلا, وخفت حدته، ولم أعد أستشعر البغض والكراهية للرجل وأدبه. ولكن بقي الأساس سليما.

<<  <   >  >>