مناصبهم وأرزاقهم. ونالوا من العسف والعتب ما ليس في طاقتهم. وهذا يحدث مثله في كل أمة من الأمم الأوروبية ولكن كان هناك فرق كبير بيننا وبينهم. ذلك أن أصحاب الرأي الجديد في البلاد الراقية إذا أوذوا في العصر الحديث رأينا من مقلديهم وأتباعهم في الرأي من يمدونهم بالمال والمعونة.
أما في مصر فقد شعر القائمون بهذه الحركة الجديدة أنهم أصيبوا في سمعتهم وفي منصبهم وفي مالهم ثم رأوا أن أتباعهم تخلوا عنهم في أوقات الضيق ومن عطف عليهم منهم فعطف أفلاطوني، عطف يتبخر، عطف لا يمكن أن يتحول إلى مال أو مجهود.
وكان الرأي العام قويا مسلحا فتغلب وانتقم وأصبحت له السلطة التامة. وانهزم أمامه فريق المعسكرين الصرحاء هزيمة منكرة. ولم تعد له أمثلة كثيرة في تاريخه القريب فاضطر إلى التسليم بل وفي بعض الأحيان رجع عن رأيه إلى آرائهم، وعن منهجه إلى منهجهم وتعود المجاراة بدل المقاومة، والمداراة مكان الصراحة فلم يعد هناك معسكران ولم يعد صراع. وإنما هو واحد ولا قتال.
وتعلم الجيل اللاحق من الجيل السابق فاختط خطته ونهج منهجه وأخذ الدرس عن أخيه الأكبر ففضل السلامة وبذلك اختنق النقد الأدبي في مهده وأصبح الأدب مدرسة واحدة يختلف أفرادها اختلافا طفيفا في العرض لا في الجوهر لا مدارس متعددة تتناحر وتتعاون وتتعادى وتتصادق.
ولا أمل في عودة النقد الصريح إلا ببذرة جديدة وروح جديد.
ولعل من أسباب ضعف النقد "السياسة" قاتلها الله فقد تدخلت فنصرت