وامرئ القيس و"شهر زاد" هو النوع الأرقى في الأدب، في كل أدب، لا في الماضي وحده ولا في الحاضر بل في الغد أيضًا وبعد آلاف السنين ما دام الإنسان إنسانًا, وما دام رقيه الذهني بخير لم يصبه نكاس. فالإنسان الأعلى هو الذي يصون "الجمال الفني" من الاستغلال في أي صورة من صوره. ويحتفظ به لمتعته الذهنية وثقافته الروحية. وأن اليوم الذي يرى فيه "الأدب" قد استخدم للدعايات الاجتماعية. والتصوير استغل في معارض الإعلان عن السلع التجارية، و"الشعر" جعل أداة لإثارة الجماهير في الانتخابات السياسية، لهو اليوم الذي نوقن فيه بأن الإنسان قد كر فانقلب طفلا يضع في فمه تحف الذهن وطرف الفكر لأنه لا يدرك لها نفسًا غير ذلك النفع المادي المباشر، والأدب الأمريكي الذي يعجب به أحمد أمين هو في أغلبه صحافة راقية أكثر مما هو أدب حقيقي. والأدب الحقيقي فيه هو ما استند إلى أساطير اليونان والرومان، أي مخلوقات الإنسانية التي أبدعتها أحلامها وخيالها الرائع.
فالخلاف بيني وبين الأستاذ أحمد أمين هو على معنى الرقي فأنا لا أسلم أبدا بأن رقي الإنسان هو في تقدم أسباب معايشه المادية، هذا حقا هو الرقي بالمعنى الأمريكي، ولكن الرقي بالمعنى الإنساني المثالي شيء غير ذلك. إن الإنسان الأعلى ليس ذلك الذي يضع كل شيء في فمه. ولكنه ذلك الذي يشعر بحاجته إلى متع معنوية وأغذية روحية وأطعمة ذهنية لا علاقة لها من قرب أو بعد بتطورات حياته المادية أو الجسمانية.
إن مطامع الناس شاءت أن تمتد أيديها الفانية إلى هذا الجوهر السامي لتسخره في شئون الأرض فرأينا الشعر والأدب يتجهان إلى غايات نفعية. فاستخدام الشعر أحيانا لمدح الملوك والأمراء من أجل المال والثراء, أو لنشر الدعوة في الدين والسياسة من أجل الثواب أو الجزاء. ولكن كلمة الفن هي العليا دائمًا.