ولقد اقتنعت بنتائج هذا البحث اقتناعا ما أعرف أن شعرت بمثله في تلك المواقف المختلفة التي وقفتها من تاريخ الأدب العربي، وهذا الاقتناع القوي هو الذي يحملني على تقييد هذا البحث ونشره في هذه الفصول، غير حافل بسخط الساخط ولا مكترث بازورار المزور وأنا مطمئن إلى أن هذا البحث وإن أسخط قومًا وشق على آخرين فسيرضي هذه الطائفة الثقيلة من المستنيرين الذين هم في حقيقة الأمر عدة المستقبل وقوام النهضة الحديث وفخر الأدب الجديد.
ونحن بين اثنين: إما أن نقبل من الأدب وتاريخه ما قاله القدماء لا يتناول ذلك من النقد إلا بهذا المقدر اليسير الذي لا يخلو منه كل بحث والذي يتيح لنا أن نقول: أخطأ الأصمعي أو أصاب وإما أن نضع علم المتقدمين كله موضع البحث. لقد أنسيت، فليست أريد أن أقول البحث وإنما أريد أن أقول الشك.
لا ينبغي أن تخدعك هذه الألفاظ المستحدثة في الأدب ولا هذا النحو من التأليف الذي قسم التاريخ إلى عصور ويحاول أن يدخل فيه شيئا من الترتيب والتنظيم فذلك كله عناية القشور والأشكال لا يمس اللباب ولا الموضوع.
وقال طه حسين إنهم لم يغيروا في الأدب شيئا أما أنصار الجديد فالطريق أمامهم موجة ملتوية تقوم فيها عقاب لا تحصى. وهم لا يطمئنون إلى ما قال القدماء وإنما يلقونه بالتحفظ والشك. وأن النتائج اللازمة لهذا المذهب الذي يذهبه المحددون عظيمة جليلة الخطر فهي إلى حياة المسلمين وميولهم وأهوائهم أكثر مما تمثل حياة الجاهلية.
وصور طه حسين منهج البحث فقال: إنه سيسلك إلى هذا البحث منهج ديكارت الذي يطالب الباحث بأن يتجرد من كل شيء كان يعمله من قبل. وأنه ينسى عواطفه القومية والدينية وألا يتقيد بشيء ولا يذعن لشيء، وقال: إن علينا أن ندرس الأدب العربي غير حافلين بتمجيد العرب أو الغض منهم ولا وجلين حين ينتهي بنا هذا البحث إلى ما تأباه القومية أو تنفر منه الأهواء السياسية.