وجدت هذه المقاومة وهذا الازورار في دوائر المعارف ومحافل المثقفين.
إن الدكتور طه يبدي هذا الاستغراب فيقول:"ومن أغرب الأشياء في نفسي وأبعدها عن فهمي ألا يفطن ولا يهتدي إليها الذين ينهضون بشئون مصر ويقومون على تدبير الأمور فيها والذين يشرفون على التعليم منها بنوع خاص.
ويبحث الدكتور أسباب هذه المقاومة عدة مرات غير أنه يعزوها إلى عوامل أساسية تتلخص من حيث الأساس في نقص ثقافة القائمين بشئون التعليم في مصر فيقول: "وأكبر الظن أن مصدر هذا إنما هو الجيل الحاكم والمرتقي إلى الحكم الذي لا يتقن العلم بالشئون الثقافية في أوربا ولا يكاد يعرف من أمرها إلا ظواهرها وظواهرها الغريبة اليسيرة التي لا يحتاج فهمها ولا العلم بها إلى جهد وعناء إذ إن منهم من تعلم في المدارس المصرية وانتهى إلى غاية التعليم العالي المصري أيام وقف ولم يتجاوزه، ومن اتصل بالجامعات الأوروبية قبل أن يتم التعليم العالي في مصر أو بعد أن أتمه فدرس وظفر ببعض إجازاتها، ولكنه درس فيها عجلا وظفر باليسير من إجازاتها وأهونها ولذلك عاد من أوربا دون أن يعرف من الحياة العقلية الأوروبية إلا ظواهرها وأشكالها، وأن بين الذين ذهبوا إلى أوربا وعادوا منها وبين الذين أقاموا في مصر واتصلوا بأوربا بعض الاتصال من ألم إلمامًا يسيرًا بل إلمامًا ناقصا مشوها بهذه الخصومة التي قامت في أوربا منذ أواخر القرن الماضي بين الديمقراطيين والمتطرفين من جهة وبين المعتدلين والمحافظين من جهة أخرى حول تعليم اللاتينية واليونانية وأنهم فهموا هذه الخصومة على غير وجهها الصحيح، وظنوا أن التجديد يقتضي بعض هذه الأشياء القديمة