إن مصر لم تقل يوما: إنها عربية بل قالت: إنها إسلامية، وظلت ساخطة على الترك متبرمة من تعسفهم وجهل أحوالهم ورجالهم ولكنها لم تربط سخطها على الترك بسخط أمة أخرى ولم تلج باب الوحدة العربية علمًا منها بأنها ليست عربية.
وحين ثار في مصر عرابي لم يقل بالعربية بل كان شعاره مصر للمصريين.
ولما دخل الإنجليز مصر وأوهنوا حريتها كان الناقمون على الإنجليز ينادون بالفكرة الإسلامية لا العربية.
ونخرج بك الآن إلى الغرض الذي ترمي إليه الدعوة العربية. ذلك أن هذه الدعوة لن تضر البلاد العربية شيئًا؛ لأن فيها أمة عربية لها معالم ومظاهر تميزها عن غيرها تمييزًا محسوسا، وفخر هذه الأمة بتاريخها ومدنيتها وثقافتها أمر طبيعي يزيد ثقة في مستقبلها ويمهد الأمل ويفتح لها الطريق، ولكنها تضر مصر ضررا بالغًا، فمصر تتكلم العربية وتدين بالإسلام ولكنها تختلف عن العرب في كل شيء.
أما الذين يدعون إلى الفرعونية فأسألهم: ماذا يريدون؟ فصحيح أن مصر كانت فرعونية وصحيح أن هناك بقايا كثيرة جدا من الحضارة الفرعونية تطفو على سطح العادات المصرية القديمة.
ولكن علام يدل كل هذا؟ وما الفائدة من تكراره، والتكالب عليه وبعثه إلى الوجود؟
لا فرعونية ولا عربية. نريد اتجاها جديدًا مستقلا عن كل نفوذ أجنبي والعربية نفوذ أجنبي أي خارجي من حيث المكان، والفرعونية نفوذ أجنبي أي خارجي من حيث الزمان.