للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرأي بأن الخلاف والخصومة ليست بين الدين والعلم، ولكنها بين رجال الدين ورجال العلم وأن أساسها ليس في شيء من الدين لذاته ومن العلم لذاته ولكنه في سعي هاتين الطائفتين سعيًا صرفا ليكون بيدها الحكم والسلطان دون الأخرى.

إن الخلاف بين رجال الدين ورجال العلم إذن، وهي خصومة أساسها بعيد عن الدين والعلم, وقاعدتها حرص كل طائفة على الاستئثار بالسلطة وبنظام الحكم، وكلما تغلبت طائفة من الطائفتين على الأخرى قام منها رجال الأمر في الدولة.

ولم يكن فوز رجال الدين بالحكم ولا كان فوز طائفة من رجال العلم بالحكم راجعًا إلى الدين ذاته أو العلم ذاته بل كان راجعًا أبدًا إلى اعتقاد المجموع بصلاح واحدة من الطائفتين دون الأخرى لولاية شئون الدولة.

ولقد قضت العصور الحديثة منذ قرون ثلاثة في أوربا أن يتغلب رجال العلم على رجال الدين شيئًا فشيئًا حتى كان ما كان من فصل الكنيسة عن الحكومة في فرنسا في العهد الأخير الذي سبق الحرب الكبرى، وإنما تغلبت طائفة رجال العلم عندما نشأ من بينها المخترعون والاقتصاديون وهذه تركيا مثل قوى من أمثلة انقضاء سلطة رجال الدين في أمور الحكم وذهابها إلى غير عودة، ومصر من زمن بعيد تقف سلطة رجال الدين فيما يختص بالحكم ونظامه في حدود ضيقة وإن بقي لهم مقامهم واحترامهم الديني.

وليس محققا أن تبقى السلطة أبدا لرجال العلم فقد يأتي زمن يكون العلم فيه قد أنتج كل ما يستطيع إنتاجه فأصبح العلماء مجرد حفاظ للميراث الذي خلفه أسلافه وعقموا عن أن يبدعوا جديدًا.

<<  <   >  >>