عليه المازني في العودة إلى الحق معركته مع عبد الرحمن شكري أو زكي مبارك في رجوعه عن آرائه في "الغزالي" فإذا ذهبت أستقصي أعنف المعارك لقلت: إنها معركة الرافعي مع العقاد وطه حسين. ومعركة زكي مبارك مع طه حسين ثم أحمد أمين. والأولى في جانب منها شخصي والثانية شخصية محضة. فقد كان الرافعي يطمع في أن يلي منصب أستاذ الأدب العربي في الجامعة واستأثر طه حسين بهذا المنصب، وكانت لقمة العيش حين فصل طه حسين زكي مبارك من الجامعة مصدر معركته الكبرى.
وقد كانت هذه المعارك -على كل حال- خيرًا للأدب فقد حثت على التجويد وفتحت باب السجال والنقد ومعارضة الآراء على نحو شيق حقا، كشفت عن حقيقة النفوس، وطبائعها، وأبانت عن المزيف والصحيح.
ويمكن القول بأن الكتاب المجددون كانوا في أول الأمر يغايظون الجماهير لكسب الشهرة ثم أرغمتهم السياسة على مسايرة الجماهير وتملقها كما حدث في كتابة حياة محمد للدكتور هيكل. أو الرضوخ لآراء المستشرقين حين تحول أحمد أمين للدعوة إلى العامية ومهاجمة الأدب العربي القديم وقد جرت بعض هذه المعارك بأسلوب بالغ العنف، مليء بالهجاء المقذع، وربما كان للسياسة والمعارك الحزبية أثرها في تلوث أقلام الكتاب. وعندي أن لأحمد زكي باشا أثر كبير في قيادة هذا الاتجاه فقد عرف بالعنف والسخرية البالغة واصطناع ألفاظ مثيرة، وتأثر بهذا الرجل: طه حسين والعقاد وزكي مبارك وهم الثلاثة الذين كانوا أعنف كتاب النقد العربي المعاصر.
وقد كشف أحمد أمين في بعض المعارك عن الكتاب الذين بدءوا حياتهم في جرأة وحرية ثم تخاذلوا من بعد وتعودوا المجاراة بدلا من المقاومة والمداراة بدلا من الصراحة وفضلوا السلامة.