للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنت دقيق الحس مصفي الذوق عالي البيان, ثم قرأت شعر العقاد؛ لرأيت من شعره ما يلسع الذوق لسع البعوض وفي شعره أبياتا تنهق نهيق الضفادع في الماء ومع هذا كله لا تنفك من منظر نضر هنا وهناك من ضفاف المعاني الحسنة التي يعرضها مما ينقله عن غيره من شعراء العرب والأوروبيين.

-٢-

والعقاد١ لا يتهيأ في طبعه من الفلسفة كالذي يتهيأ في طباع الشعراء الملهمين إذ لا يجد في استطاعته أن يقتسر الإلهام وليس بضاعة ولا جبلة له فما يفوت ذرعه ويقطع قوته وما لا يخلقه الله لا تخلقه اللغة الإنجليزية والشاعر الملهم يسنح له المعنى من فكر أو نظر أو قراءة فإذا هو كأنه قطعة من جمال الحياة تريد أن تنفذ إلى حياة الناس ليزيدوا بها حسًا وذوقا ومنفعة، فإذا المعنى في صورته تجعله وحيا إلى هذا العبقري بخاصته وإن كان قد وقع من قبل ذلك لكل شعراء الدنيا ويجيء كما يجيء من الناس قد امتلأت بهم الأرض، وقلما يتشابه اثنان شبها تاما إلا في الندرة ولكن غير الملهم يتسقط المعنى من فكر أو نظر أو اختلاس فإذا هو قد جاء بصناعة عقلية على قدر خاصته لا على قدر المعنى فكأنه لم يزد على أن تنبه له دون أن ينفذ إلى حقه إلى طبيعة الشعر فيه.

ونحن نعرف العقاد رجلا ذكيا مفكرا مطلعا ولكن هذه الخصال على


١ الجهاد ١٩ مارس ١٩٣٧.

<<  <   >  >>