للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الخير أن نعتمد عليها وحدها في تشخيص عقلية الأمم وروحيتها، كل هذه عندي أحكام يتعجل بها أصحابها، ويرسلونها على غير تحقيق، وإذا فقد يكون الإسراف أن تتخذ هذه الروحية المصرية الغامضة التي يسرع إليها الشك والتي تعجز عن أن تثبت للبحث، والتي توشك أن تكون خيالا تخيلته أنت وتخيله أصحابك من الأدباء ورجال الفن أساسا لأدبنا المصري الحديث. فمن يدري؟ لعل البحث عن آثار مصر أن يكشف لنا بعد زمن طويل أو قصير عن حياة مصرية قديمة تغاير كل المغايرة هذا الخيال الذي تحبونه وتطمئنون إليه.

نحن إذًا أمام أمرين: أحدهما عرضة للشك الشديد لا تكاد نعرف منه شيئا، والآخر لا سبيل إلى الشك فيه؛ أحدهما حياة مصر القديمة وحضارتها العقلية -إن صح هذا التعبير- والآخر حياة العرب وحضارتهم، فإلى أي الأمرين نفزع لنقيم عليه بناء أدبنا الجديد؟ إلى الشك أم إلى اليقين؟

وهنا يظهر الخلاف بينك وبيني شديدًا حقا.

ولكن رأيك في العرب وآثارهم في حاجة شديدة جدًا إلى التقويم, فقد كنا نرى أن ابن خلدون جار على العرب فإذا أنت أشد منه جورًا وأقل منه عذرًا، يسر الله لك من أسباب العلم لمختلف الأمم والشعوب ما لم ييسره لابن خلدون، فإذا قبل من هذا المؤرخ الفيلسوف أن يتورط في الخطأ لأن عقله الواسع لم يحط من أمور اليونان والرومان والهند والفرس والمصريين القدماء بما نستطيع نحن الآن أن نحيط به أو نمعن بوجه عام، وقد ذهبت إلى مثل ما ذهبت إليه جماعة من المستشرقين منهم دوزي ورينان، وأحسبكم جميعا تظلمون العرب ظلما شديدا وتقضون في أمرهم بغير الحق.

<<  <   >  >>