إن العرب يشاركون اليونان في الحركة, ولكن ليس من شك أيضا في أنك تغلو غلوا شديدًا في وصفهم بالسرعة. إنما أسرع العرب في الخروج من باديتهم، ولكنهم حين بلغو الأمصار استقروا فيها وطال بهم المقام.
وأريد أن أدع هذه المناقشات وأن أخلص إلى جوهر الموضوع الذي تريد أن تعرف رأيي فيه. عناصر ثلاثة تكون منها الروح الأدبي المصري منذ استعربت: أولها العنصر المصري الخالص الذي ورثناه من المصريين القدماء على اتصال الأزمان بهم وعلى تأثرهم بالمؤثرات المختلفة التي خضعت لها حياتهم والذي نستمده دائما من أرض مصر وسمائها، ومن نيل مصر وصحرائها، هذا العنصر موجود دائما في الأدب المصري الخالص، فيه شيء من التصوف وفيه شيء من الحزن وفيه شيء من السماحة وفيه شيء من السخرية.
والعنصر الآخر هو العنصر العربي الذي يأتينا من اللغة ومن الدين ومن الحضارة، والذي مهما نفعل فلن نستطيع أن نتخلص منه ولا أن نضعفه ولا أن نخفف تأثيره في حياتنا، لأنه قد امتزج بهذه الحياة امتزاجا مكونا لها مقوما لشخصيتها فكل إفساد له إفساد لهذه الحياة ومحو لهذه الشخصية، لا تقل: إنه عنصر أجنبي، فليس أجنبيا هذا العنصر الذي تمصر منذ قرون وقرون فليست اللغة العربية فينا لغة أجنبية، إنما هي لغتنا وهي أقرب إلينا ألف مرة من لغة المصريين القدماء، وقل مثل ذلك في الدين، وقل مثله في الأدب.
أما العنصر الثالث: فهو العنصر الأجنبي الذي أثر في الحياة المصرية دائما والذي سيؤثر فيها دائما, والذي لا سبيل لمصر إلى أن تخلص منه، ولا خير لها في أن تخلص منه لأن طبيعتها الجغرافية تقتضيه، وهو الذي يأتيها من اتصالها بالأمم المتحضرة في الشرق والغرب، جاءها من اليونان والرومان