وإنه ليعلم أني أقدره أحسن تقدير وأضعه في نفسي في أسمى مكان وأحفظ له على الزمن ما أسدى إلي من جميل، ولا أنسى أنه هو الذي ألقى الضوء على وجودي, غير أنه يخطئ إذا فهم أن صداقتي له معناها التزام موافقته على كل رأي أدبي يبديه، والتسليم والتأمين على كل ما يخرج من قلمه أو من فيه, إن الحكم المطلق إذا صلح في دولة السياسة فهو لا يصلح في دولة الأدب، وإني لا أخال صديقي الدكتور نفسه، يرضى لي أو يرضى لفني وتفكيري في هذه الحرية المقيدة.
هذه هي الخصومة التي بينه وبيني.
فهو قد استاء مني إذا عارضته في بعض آرائه، ولقد استاء مني كذلك يوم أخرجت الطبعة الثانية من أهل الكهف بغير مقدمة، إن الحقيقة لا تعدو أني شخص بسيط لا أمقت شيئا في الأدب مثل المقدمات، وإني روح حر يأبى أن يقيد نصوصه بتفسيرات.
أعتقد أن خير هدية أهديها صديقي العزيز عليَّ، هي "الحرية" وقد بلغ من إخلاصي في صداقتي لطه حسين أن أعطيته "حريتي" فهو لن ينسى أني ما أتصرف في عمل أدبي بغير رأيه. على أني أحب من جهة أخرى أن أستعير بعض هذه الحرية أحيانا لأناقشه في فكرة من الفكر أو أحاوره في مسألة. فأنا كما يعلم الدكتور ذو طبيعة لا تسير على نظام.
إني أعطي كثيرًا ثم آخذ فجأة، ثم أعود فأرد ما أخذت، وعلى صديقي أن يكون رحب الصدر. غير أن الدكتور لم يعرفني حق المعرفة، وأراه يأخذ بعص تصرفاتي على سبيل الجد، حيث لا ينبغي أن تؤخذ في سبيل الجد.
وبعد فيا صديقي الدكتور أنا محزون حقا. فقد فكرت فإذا خطيئتي بديهية فقد كان يجب على الأقل أن أستشيرك قبل أن أبعث بتلك الرسالة.