ردها إلي فعلمت أنها القطيعة، فوقفت واجما في مكاني وزالت آثار الغضب ولم يبق في نفسي إلا ألم عميق.
ولقد انتهى كل شيء بيني وبين الدكتور طه حسين, ولم أستطع أن أقرأ شيئا في ليلتي، وما أن أقبل الصباح حتى أوفدت إلى الدكتور طه صديقين كريمين يحادثانه في أمر الرسالة، فإذا قد دفعها إلى المطبعة وإذا به يأبى إلا أن يعلن الخصومة إلى الناس.
وحاول الصديقان عبثا أن يحولا بينه وبين هذا الإعلان, ولكن الدكتور طه أراد أن ينتقم فتناول القلم ووضع قصة روى فيها ما كان من أمري وأمره.
قرأت القصة فدهشت؛ أي روعة وأي إبداع! إنها في ذاتها أثر من آثار الفن الخالد، إني أشهد أنها عمل فني عظيم، فيها من سعة الخيال وروعة الأسلوب ما يضمن لها البقاء.
إنها هي التي ستبقى على الدهر, وقد أنساني إطارها الأدبي ما احتوته من اتهامات قاسية وماذا يهم، إن شخصي ليس يعنيني كثيرًا، كما أنه ليس يعني صديقي الدكتور منذ اليوم.
وأغلب ظني أن الدكتور قد أصر على نشرها لأنه يعلم أنه قد كتب شيئا جميلا, وإني الآن لأرضى أن يضحي شخصي الزائل في سبيل ظهور هذه القطعة الباقية.
على أن القارئ وقد فرغ من القصة لا بد يسأل نفسه: ما كل هذا الذي بين توفيق وبين الدكتور؟ وإني أمد القارئ بالجواب فأقول: لا شيء في رأيي غير صداقة لا يمكن أن تزول، ولئن قامت خصومة بيننا اليوم أو في الغد فهي خصومة من أجل الرأي والتفكير.