بين الأدباء كما رأيت وبذلت في ذلك ما بذلت؛ فإذا كان كل هذا يسفر عن كلمة سمحت أنت بنشرها في العدد الأخير من الرسالة كلها إيذاء لشخصي دون مبرر، كلمة لم تدع إليها مساجلة أدبية، ولم يتبع بها الأدب والفكر ولكن دعت إليها شهوة الهجوم والتجريح لمجرد الزهو والخيلاء بالهجوم علي وتجريحي.
ولعل السبب الوحيد في ذلك أنني رجل هادئ الطبع كما تعرف، نزاع إلى الخير، ينزه القلم عن أن يستخدم هراوة للبطش، وكنت أحسب أن الشجاعة الحقيقة فيه في احترام أصحاب هذه المبادئ والنزعات. ولكن صدمني حقا ما رأيت من أن الأدباء في مصر -مع الأسف- لا يحسبون حسابا لغير الكاتب الذي يبرز مخالبه، ويكشر عن أنيابه، ويتهيأ دائما للوثوب. أنا الذي أراد الأدب أن يكون حديقة غناء سياجها "الصفاء" إذا بي أراه حرشا من الأحراش المأهولة بالضواري. ما هي في واقع الأمر رسالة الأدب إلى اليسر؛ أهي شيء آخر غير ترويض كواسر الناس وإفهامهم أنهم أرقى من الحيوان. إن الأدب الرفيع هو الذي يثير المشاعر الرفيعة بما فيها من صدق وحب وخير وجمال, وإن الأدب الوضيع هو الذي يهيج فينا الغرائز الحيوانية بشهواتها للفتك والبطش والعدوان.
كنت أظن يا صديقي الزيات أن تلك هي رسالتك, وأن عملك في مجلتك هو توجيه الأدب إلى هذه الغاية الفضلى.
خاب أملي فيك, إنما الذي خيب أملي هو أني رأيتك قد حدت قليلا عن رسالتك في "الرسالة" وفي هذا خطر على شرف الغاية التي عاهدت نفسك والناس عليها, وقد أغتفر لك إهداء حق الصداقة والزمالة، أما هذه، فلا.