هنا ونفترق. وليكن اليوم آخر عهدي بك و"بأصالة" والأدباء. لن أكتب شيئا لك ولن أذكر بعد اليوم أديبًا بخير ولا بشر. سأصمت عن أشخاصهم، صمت القبر لأنصرف إلى الإنتاج وحده من حيث هو إنتاج.
فلا حلم في صفاء ولا أمل في عودة بين أدباء. على أني قبل ذلك أحب أن أنوه بحق لك عندي وفضل لا أود أن أنساه: لقد كنت أنت الذي اقترح علي فكرة تدوين ذكرياتي المنسية من عهد اشتغالي بالقضاء.. فخرج كتاب "يوميات نائب في الأرياف" ربما لولاك ما اتجه ذهني إلى هذا الأمر ولضاعت إلى الأبد معالم تلك الأيام.
١٠- من الزيات إلى الحكيم:
ولو لم يكن النسيان عرض ملازما لك يا صاحب أهل الكهف لذكرت أن اسمي الزيات، لا زكي مبارك ولو أنك ذكرت ذلك لما كان منك ذلك الكتاب ولا كان مني هذا الجواب، ولكنك لا تستطيع أن تنكر أنك كفرت بنفسك وكذبت برسالتك لأن الرسول الصادق لا ينذر بالكدر وهو يبشر بالصفو ولا يبادر إلى القطيعة وهو يدعو إلى الصلة.
لم يكفر برسالتك غير العقاد ولا شك في إخلاصك للأدب غير المبارك فما، بالك يا توفيق تئن قبل التعذيب وتلقي بيديك ورجليك إلى الصليب وتفضح بهذا الجزع نبوة الأدب.
تقول إنني حدت قليلا عن رسالتي في الرسالة وقليلا هنا معناها "زكي مبارك" وزكي مبارك يا توفيق لون من ألوان الأدب المعاصر لا بد منه ولا حيلة فيه، فهو الملاكم الأدبي في ثقافتنا الحديثة؛ أما عنفه وشماسه فهي الطبع المميز للونه، فلو شئت أن تجرد هذا الملاكم المبارك من عنف الهجوم وخشونة المراس لما بقي منه غير توفيق الحكيم وحمار الحكيم.