وقد قابلت خصومته بلدد أقسى وأعنف، ورأيت الحرص على آرائي أفضل من الحرص على رضاه فأبقيت الفصلين الذين أغضباه، وانتهينا إلى عاقبة أفصح عنها المسيو ماسنيون كل الإفصاح حين لقيته في باريس إذ قال:"إن المسيو مارسيه لا يحبك ولكنه لا يستطيع أن ينساك".
أما الدكتور طه حسين فما أدري والله ما ذنبه حتى يهاجهم أعنف الجهود في هذا الكتاب, إن هذا الرجل تربطني به ألوف من الذكريات، يرجع بعضها إلى العهد الذي كنت فيه طالبا بالجامعة المصرية القديمة يوم كان يصطنع العدل الذي يلبس ثوب الظلم في امتحان الطلاب، فقد ساعد مرة على إسقاطي في امتحان الجغرافيا ووصف الشعوب وأسقطني مرة ثانية في امتحان تاريخ الشرق القديم، والسقوط في الامتحان مما يحفظه الطالب المخلص لأستاذه المنصف.
ويرجع بعض الذكريات إلى العهد الذي كنت فيه مدرسا بالجامعة المصرية الجديدة، حين كنت أحمل إليه على أكتافي أحجار الأساس لنرفع القواعد من كلية الآداب.
وأدق ما يتصل بيننا من الذكريات منا وقع في ربيع سنة ١٩٢٦ يوم ظهر كتاب الشعر الجاهلي؟ وثارت الأمة والحكومة والبرلمان، وكان أصدقاؤه وزملاؤه بين خائف يترقب، وحاسد يتربص، وكانت وحدي صديقه الذي لا يهاب وزميله الذي لا يخون.
ولكن حماستي للفكرة التي أدافع عنها، غرام الدكتور طه بنقضها في رسائله وأحاديثه ومحاضرته، كان مما حملني على مقاومته بعنف وقوة، حتى ليحسب القارئ أن بيننا عداوة سقيت لأجلها القلم قطرات من السم الزعاف حين عرضت لدحض آرائه من فصول هذا الكتاب.