للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد امتحن الله صديقنا المازني ووفر له من نقمة الأدب وبلائه حظا عظيما فجعله شاعرًا مجيدا وكاتبًا بارعًا، لا يصدر كتاب إلا أراد الناس أن يعرفوا رأيه فيه وحكمه عليه.

وكان صاحب الكتاب نفسه أحرص الناس وأشدهم طلبا له وإلحاحا فيه، والكتب تمطر على الأستاذ المازني ويمطر منها طلب النقد وطلب التقريظ، والنقد والتقريظ يحتاجان إلى القراءة والدرس، وإذن فالمازني المسكين مصروف عن نفسه وعن فنه وعن كتبه إلا هؤلاء الذين يكتبون.

ومن هنا ومن جهات أخرى كان المازني شقيا بالأدب وإن كان الأدب سعيد بالمازني, وأي شيء أدل على شقاء المازني بالأدب وسعادة الأدب بالمازني، أقوى من هذه القصة التي أحدثك عنها الآن, فقد أخر "كاتب من الكتاب كتابا من الكتب" وأهداه إلى الأستاذ بالطبع، وعرف الناس أن هذا الكتاب قد أهدي إليه فأخذ الناس ينتظرون، وأخذ صاحب الكتاب بنوع خاص ينتظر، فلما طال الانتظار كان الطلب، ولما كان الطلب ولم يجد شيئا كان الإلحاح، واضطر المازني أن يذعن، وأكره المازني على أن يكتب ولكنه كان قد أرسل الكتاب إلى من يجلده فلما اشتد عليه الإلحاح ذهب في طلب الكتاب من المجلد فدفع إلى رحلة غريبة وإلى استكشاف أغرب دفع من هذه الأحياء المتحضرة التي تتسع فيها الشوارع والتي لا تتغطى أرضها بالوحل إلى أزقة ضيقة ملتوية فاسدة الهواء، تعيش فيها أجيال من المردة والشياطين وفي هذه الأزقة عرف المازني الخوف والفرق. ثم عرف قصة الرجل الذي يطلب كتابا ففقد طربوشه وعاد صفر اليدين. ولكنه السؤال الذي أحب أن أسأله هو: هل يظن المازني أنه أبرأ ذمته أمام القراء وأمام المؤلف

<<  <   >  >>