للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لذلك لا أحسبني مخطئا إذا ذهبت إلى أن الأستاذ الحكيم لم يخير العرب بين حضارتين إلا ليثبت لهم أن في أعماق قلوبهم شرقا لا حياة لهم إلا بالاتجاه إليه واستجلائه وراء ظلمات الأحقاب.

وذكر أنه كان قد ناظر إسماعيل أدهم حول موضوع "أمن الخير لمصر أن تأخذ الحضارة العربية؟ " وهذا هو تفصيل رأيه:

أولا: "التفريق بين الثقافة والعلم" إن العلم مشاع لكل الأمم ولكل الأفراد فهم يتفقون فيه على ما بينهم من اختلاف بعيد في نظرات الحياة، وفي حين أن الثقافة مستقرة في الشعور فهي "دماع في قلب" لا قانون لها لأنها راسخة في الفطرة، والفطرة في الفرد، كما هي في الأمم ميزة خاصة في الذوق، واستعداد خاص لفهم الحياة والتمتع بها، فإذا كان العقل رائدا لبلوغ الحاجة فليست الفطرة إلا القوة الممتعة للإنسان بتلك الحاجة بعد الظفر بها، وكما أن لكل فرد ثقافته التي تتجلى فطرته فيها، هكذا لكل أمة ثقافتها المستقرة في فطرتها، فلا ريب إذًا في أن سعادة الفرد والمجموع وشقاء كل منهما يتوقفان على ملاءمة الحياة أو عدم ملاءمتها لما فطرا عليه، وسواء أكان المرء مخيرًا أم مسيرا في إرادته وأعماله فإنه على الحالين غير مخير في ذوقه في الحياة وفي لذته وألمه منها، فكل فرد خالفت طريقة حياته ما استقر من الحوافز في فطرته يفقد الشعور التام بتلك الحياة ويتعرض للسقوط في المعترك، وهكذا الأمم إذا خدعت نفسها وسارت في حياتها على ما يؤلم فطرتها فإنها تفقد قوة الارتقاء بذاتها فتميت شخصيتها دون أن تتدفق إلى الأنبعات في شخصية تستعيرها من سواها.

<<  <   >  >>