العلمانية في المصير الذي تعاني منه المجتمعات الغربية عامة بما فيها المجتمع البريطاني الذي نتحدث عنه.
هو ينطلق من أن العلمانية رؤية مادية للكون تهتك القداسة، ولا تعترف بالغيب، ويستعير عبارة الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي التي قال فيها: إن المشروع العلماني الغربي هو نموذج يقوم على نزع الألوهية في العالم، بحيث لا يعبد الإنسان شيئا، ولا حتى ذاته، ومن ثم فإنه لا يجد في الكون أي شيء مقدس ولا رباني، ولا نصف رباني؛ إذ بمقتضاه يظل الإنسان في عالمه المادي، لا يتجاوزه.
العلمانية حين تجلت:
في أحد مداخل الموسوعة يعتبر الدكتور المسيري النموذج العلماني الغربي مشروعا "تفكيكيا" ينكر الكليات والمطلق وكل أنواع التجاوز.
ومن ثم فإنه يؤدي إلى تفكيك الواقع الموضوعي وتفكيك الإنسان.
فالإيمان العقلاني المادي بالتقدم يضرب بالضرورة الثوابت والمطلقات، يجعل كل شيء نسبيا، وهو ما يجمع عليه فلاسفة العلمانية، ومنهم الإنجليزي جيريمي ينتام الذي ذهب مثلا إلى أنه لا يوجد مطلقات أخلاقية، وأن سلوكنا الأخلاقي يمكن تفسيره ماديًّا في إطار المنفعة واللذة. داروين وماركس وفرويد عبروا بصياغات متفاوتة عن ذات الفكرة:"رفض الثابت والمطلق والغيب".
حين هيمنت هذه الثقافة على المجتمعات الغربية، سادت المرجعية المادية التي لا تعول على الغيب وتؤمن بعقل الإنسان وحده، لم يختلف إنسان العصر الحديث كثيرا عن الإنساني البدائي أو الوثني. وهذا التشابه تحدث عنه الفيلسوف الألماني ماكس فيبر، فقال: إن كليهما يفتقر إلى إطار مرجعي معرفي وأخلاقي متكامل ومتماسك يكتب تكامله في عقيدة دينية ثابتة وكل منهما يعيش في عالم يفتقد إلى المركز، ويتسم بتعدد العقائد والنظم العرفية والأخلاقية، لذلك فالإنسان الوثني البدائي الذي كان يعيش في عالم مخيف يتهدده من كل جانب، وجد نفسه محاطا بآلهة وشياطين متصارعة لصيقة بعالمه المادي، ولأن إدراكه الخاص أو عقيدته الدينية البسيطة التي تلبسته كانت عاجزة عن أن تجيب عن أية أسئلة كلية، باعتبار أنها لا تقدم رؤية كونية شاملة، فإن أقصى ما استطاعت عقيدته أن تفعله أنها كانت تهدئ من روعه قليلا وبشكل مؤقت، شريطة أن يذهب إلى الساحر لكي يزوده بالتعويذة اللازمة لهذه المناسبة، ثم يطالبه بتقديم القرابين والقيام ببعض الطقوس لإلهه الخاص أو إله القبيلة دون أن يكون هناك منطق واضح وراء هذه الأشياء.
الإنسان الحديث يفعل نفس الشيء بعد أن تمت علمنته، فبعد أن عزف عن