للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السماء مبنية ينزل منها المطر الذي أودع الله فيه قوة فاعلة قادرة على أن تمتزج بقوة الأرض الفاعلة أيضًا, فيتولد منهما أنواع الثمار التي يكون منها زرق الإنسان، فلا يصحُّ للإنسان المرزوق بقدرة الله أن يجعل له أندادًا, مع علمه بأنه سبحانه لا نِدَّ له، ولا شريك له, وإذا كان ذلك كذلك, فإنه سبحانه أباح لهم بأن يأكلوا من طيبات الرزق فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: ١٦٨] ، و"مما" للتبعيض؛ لأن كل ما في الأرض ليس بمأكولٍ؛ فمنه ما هو طيب طاهر من كل شبهة، ومنه ما هو غير ذلك، والشيطان يزين لهم الحرام ويدعوهم إليه, حتى يقعوا في المحظور؛ فيخالفوا أوامر الرب -عز وجل، ولذلك قال بعدها: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ١٦٩] ؛ ليبين لهم أنهم يجب عليهم الانتهاء عن الشيطان؛ لأنه يزيّن لهم أعمالهم, ويريد بذلك هلاكهم, فهو لا يأمرهم بخير أبدًا، ولكن يأمرهم بالسوء والفحشاء؛ قيل: إن السوء ما لا حَدَّ فيه, والفحشاء ما فيه حَدٌّ، ومن ذلك: القول على الله بما لا يعلمون, فيحلون ويحرمون من عند أنفسهم، وبتزيين الشيطان لهم يقولون: هذا حلال وهذا حرام، والله لا يرضى منهم هذه الادعاءات الباطلة, وكيف يطيعون أوامر الشيطان ولا يستجيبون لأوامر الرحمن؟!

ويأتي النداء في سورة النساء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} فيطالب الناس بتقواه؛ وهي عبادته وحده لا شريك له، فهم من خلقه, والدليل على ذلك خلقه إياهم من نفسٍ واحدة هي نفس آدم، حيث خلق من ضلعه الأيسر حواء, وذرأ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً, ونشرهم في أقطار العالم على اختلاف أصنافهم وصفاتهم

<<  <   >  >>