أي قد جاءكم كتاب جامع لكلِّ الفوائد من موعظةٍ وتنبيهٍ على التوحيد, والموعظة التي تدعو إلى كل مرغوب, وتزجر عن كل مرهوب؛ إذ الأمر يقتضي حسن المأمورية فيكون مرغوبًا, وهو يقتضي النهي عن ضده وهو قبيح، وعلى هذا, ففي النهي شفاء لما في صدوركم من العقائد الفاسدة, وهدًى من الضلالة ورحمة للمؤمنين١.
وفي السورة نفسها أمر من الله سبحانه إلى النبي -محمد صلى الله عليه وسلم- بأن يقول للناس: إن كنتم في شكٍّ من صحة ما جئتكم به من الدين الحنيف الذي أوحاه الله إليَّ, فأنا لا أعبد الذين تعبدون من دون الله, ولكن أعبد الله وحده لا شريك له, وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ثم إليه ترجعون {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[يونس: ١٠٤] .
ثم يكون النداء الأخير في سورة يونس لمحمد -صلى الله عليه وسلم- على الناس بأمرٍ من الله أن يخبرهم أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مِرْيَةَ فيه ولا شك, فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه، قال تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ}[يونس: ١٠٨] .
وتتكرر النداءات من الله -عز وجل- إلى الناس في القرآن الكريم, كما نجد مثلًا في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ
١ النسفي، تفسير النسفي، ج٢/ ١٦٧, طبعة عيسى البابي الحلبي.