وتزكية وتشريع استحق بها المؤمنون من أمة محمد -صلى الله عليه سلم- أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس؛ لأنهم عُرِفُوا بصفة هي من خواصِّ صفات الأنبياء, وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يحمل لنا التاريخ اسم أمة من الأمم الغابرة, أو جماعة من الجماعات حملت هذه الصفة التي وصف بها القرآن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم؛ فهي الأمة الوحيدة التي فهمت عن الله كلامه، وفهمت عن نبيه كلامه وبلاغاته, فلا تزال تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
تربية القرآن للعرب:
ولعل من أعظم ما أتى به القرآن الكريم في شأن التربية، تربية الكبار من قبائل العرب, وتليين قلوب الذين كان لديهم الاستعداد الدفين منهم لقبول هذه التربية الإسلامية والتأثر بها, والدخول في الدين الجديد المنزَّل إليهم من السماء؛ حيث نجد القرآن المكيّ بما فيه من الترغيب والترهيب يؤثر في نفوسهم ويجذبهم جذبًا من مهاوي الضلال إلى مدراج الهداية, فانقبلوا بنعمة الله وفضله من أشداء في الظلم والكبر, إلى أشداء في العدل والرحمة.
فهذا عمر بن الخطاب صاحب القوة والجبرت قبل إسلامه, والذي كان يخشاه صناديد قريش, ويعملون له ألف حساب، يسمع الآيات من سورة طه فتنقشع عن قلبه سحابة الكفر, وتزول عن بصره غشاوة الظلم, فيذعن من فوره إلى النداء الرباني, ويذهب إلى محمد -صلى الله عليه سلم- معلنًا إسلامه وخضوعه إلى الله -عز وجل، ويكون بعد ذلك عمر العادل الرحيم بالمؤمنين, الذابّ عن الدين والحامي لعرين الإسلام.
وكان أبو ذر قاطع طريق, وكان شجاعًا, فاتكأ يتفرد وحده بقطع