إنها دعوةٌ إلى التفكر, ودعوة لاستعمال العقل بالتدبر في ما يشاهدونه من آيات الله -سبحانه وتعالى- ودلائله في خلقه، فالله تعالى يخبر عن كمال قدرته وعظيم سلطانه, أنه الذي بإذنه وأمره رفع السماوات بغير عمد، رفعها بحيث لا تنال ولا يدرك مداها ...
وسخر الشمس والقمر تسخيرًا أبديًّا؛ فهما يجريان بلا تعطيل ولا تأخير ولا اختلاف إلى انقطاعهما بقيام الساعة, والله يوضح للناس الآيات والدلالات على أنه هو الله الذي لا إله إلّا هو, وأن لقاءه حق.
وبعد أن ذكر الله تعالى العالم العلوي, شرع في ذكر قدرته وحكمته وأحكامه للعالم السفلي, وهو الأرض المتسعة الراسية بجبالها الراسيات الشامخات, ثم أجرى في الأرض الأنهار والجداول والعيون ليُسْقَى بها الزروع التي تنتج الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم, وجعل من كل شكلٍ صنفين، وهذه القدرة هي التي سخَّرت أيضًا الليل والنهار, وجعلت كلًّا منهما يطلب الآخر, فإذا ذهب هذا غشيه هذا.. كل ذلك يسوقه ويذكره لأجل أن يتفكر الإنسان في آلاء الله ودلائله.
ثم يذكر بعد ذلك أن الأراضي يجاور بعضها بعضًا, وفيها الطيبة وفيها السبخة المالحة, ويذكر أن فيها البساتين والمروج التي يخرج منها الأعناب والزورع والنخيل, منها ما له أصول مجتمعة في منبت واحد كالرمان والتين وبعض النخيل, ومنها غير الصنوان وهو ما كان على أصلٍ واحدٍ كسائر الأشجار، ومع ذلك فكلها تسقى بماءٍ واحدٍ, مع هذا الاختلاف في الأشكال والطعوم، وفي ذلك آيات لمن كان واعيًا مدركًا لحقائق الأمور, فهو يعلم أن هذه الدلالات كلها تشير إلى أن الفاعل