للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمكان الجمع بين الخلافة والزهد, أعني بين الرياسة أو امتلاك ناصية الحكم والتصرف في شئون المسلمين، وبين الحياة الوجدانية وأعمال القلوب في إطارها الإسلاميّ الأصيل, الذي يُعَدُّ عمر بن عبد العزيز أحد الرواد الأوائل فيه، فأصبح من المألوف أن يعتبره أهل السنة والجماعة خامس الخلفاء الراشدين١.

وكان له صلة أيضًا بزهاد البصرة -وعلى رأسهم الحسن البصري, وكذلك بالمدينة وإمامها حينئذ سعيد بن المسيب, فقد أصبح هذا المثلث المدعم بثلاثة من التابعين، سمة بارزة للحياة الوجدانية المحافظة على القيم الإسلامية المثالية حينذاك كلٌّ في مجاله٢.

وتبادل الخليفة عمر بن عبد العزيز مع هذين التابعين الرسائل المتعددة في مجال الاستمساك بهذه القيم، بل إن تأثيره تعداهما إلى عامّة الناس إبّان حكمه لتقليده في قراءة القرآن والصلاة والعبادة، فأصبح المسلمون يقلدونه "يلقى الرجل الرجل فيقول: كم وردك؟ كم تقرأ كل يوم؟ ماذا صليت البارحة؟ "٣.

وكان باليمن من التابعين وهب بن منبه "ت١١٠هـ", وهو نموذج من هؤلاء الذين عرفوا كتب الأوائل, وله صلاح وعبادة، ويُرْوَى عنه أقوال حسنة وحكم ومواعظ, يحدثنا عن نفسه فيقول: "قرأت اثنين وتسعين كتابًا كلها أنزلت من السماء"٤، فكان ينقل للمسلمين


١ ألحقه سفيان الثوري بالخلفاء الراشدين، وعد الخلفاء الراشدين خمسة "ابن الأثير/ الكامل جـ٥ ص٢٦".
٢ د. مصطفى حلمي: مع المسلمين الأوائل في نظرتهم للحياة والقيم، نشر دار الدعوة، الطبعة الثانية،١٤٠٩هـ ١٩٨٩م، ص٩٦، ٩٧.
٣ ابن كثير: البداية والنهاية، جـ٩، ص٩٦ ٩٧.
٤ ابن سعد: الطبقات الكبرى، جـ٥, ص٥٤٣.

<<  <   >  >>