للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٥٤)[النور]، فقد أخبر تعالى في هذه الآية أن الهداية في طاعة الرسول لا في غيرها، فإنه معلق بالشرط فينتفى بانتفائه، وليس هذا من باب دلالة المفهوم، كما يغلط فيه كثير من الناس ويظن أنه محتاج في تقرير الدلالة منه لا تقرير كون المفهوم حجة.

بل هذا من الأحكام التي ترتبت على شروط وعلقت فلا وجود لها بدون شروطها، إذ ما علق على الشرط فهو عدم عند عدمه، وإلا لم يكن شرطًا له وإذا ثبت هذا: فالآية نص في انتفاء الهداية عند عدم طاعته، وقوله: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ﴾ الفعل للمخاطبين وأصله فإن تتولوا، فحذفت إحدى التائين تخفيفًا، والمعنى: أنه قد حمل أداء الرسالة وتبليغها، وحملتم طاعته والانقياد له والتسليم.

روي عن الزهري (١) أنه قال: "من الله البيان وعلى الرسول البلاغ وعلينا التسليم".

فإن تركتم أنتم ما حملتم من الإيمان والطاعة فعليكم لا عليه. فإنه لم يحمل إيمانكم وإنما حمل تبليغكم، وإنما حمل أداء الرسالة إليكم.

﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ ليس عليه هداهم وتوفيقهم" (٢).


(١) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري: الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه، مات سنة (١٢٥ هـ)، وقيل قبل ذلك. تذكرة الحفاظ (١/ ١٠٢)
(٢) الرسالة التبوكية (ص ٣٧، ٣٨).

<<  <   >  >>