للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب - السُّنَّة العملية:

إن المتأمل في سيرته ودعوته يعلم حرصه على نشر الرسالة وإبلاغها لجميع المكلفين، فقد دعا الإنس على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم، سواء كانوا أهل كتاب أم ليسوا بأهل كتاب، كما دعا الجن كذلك فآمن له من آمن منهم وبايعوه على الإسلام.

ولقد صدع النبي بعالمية الرسالة وعمومها في أوائل دعوته عندما انتقل من المرحلة السرية في الدعوة إلى المرحلة الجهرية حيث قال بعد أن حمد الله: "إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إلا هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها للجنة أبدا أو النار أبدا" (١).

وإن المتأمل للآيات القرآنية التي نصَّت على عموم رسالته وعالميتها يجد أن جلَّها كان مكي النزول، وهذا يؤكد أن عالمية الرسالة مقررة منذ بداية الوحى. ومن المعلوم أن طريقة الدعوة كانت تتبع أسلوب التدرج في التبليغ وهذا التدرج لم يكن ينافي شمول الدعوة لكل المكلفين، لأن المرحلية كانت ضرورية لدعوته ، ولقد دلت السيرة النبوية أن النبي اتبع أسلوب التدرج في إبلاغ الرسالة، فأول ما بدأ به هو الدعوة السرية لهذا الدين فآمن له من آمن.

ثم انتقل إلى الدعوة الجهرية ونهج فيها كذلك أسلوب التدرج فبدأ بأهل مكة عندما نزل عليه قوله تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ فدعاهم إلى الإسلام.

ثم بعد ذلك أخذ رسول الله يدعو الناس في مجامعهم وأسواقهم ويبلغهم دعوة الله.


(١) الكامل في التاريخ لابن الأثير (٢/ ٦١).

<<  <   >  >>