للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا أنهم يأخذونه على إغماض، ويشربونه على قذى، فإن هذا مناف للإيمان، بل لا بد أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر.

ثم لم يقتصر سبحانه على ذلك حتى ضم إليه قوله تعالى: (ويسلموا تسليما) فذكر الفعل مؤكدًا بمصدره القائم ذكره مرتين، وهو التسليم والخضوع له والانقياد لما حكم به طوعًا ورضًا، وتسليمًا لا قهرًا ومصابرة كما يسلم المقهور لمن قهره كرهًا، بل تسليم عبد مطيع لمولاه وسيده الذي هو أحب شيء إليه، يعلم أن سعادته وفلاحه في تسليمه إليه ويعلم بأنه أولى به من نفسه، وأبر به منها وأقدر على تخليصها، كما قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾ [الأحزاب: ٦].

فمتى علم العبد هذا من الرسول واستسلم له، وسلم إليه انقادت له كل علة في قلبه ورأى أن لا سعادة له إلا بهذا التسليم والانقياد.

وتأمل تأكيده سبحانه لهذا المعنى المذكور في الآية بوجوه عديدة من التأكيد:

أولها: تصديرها بتضمن المقسم عليه للنفي وهو قوله: ﴿لا يؤمنون﴾ [النساء: ٦٥]، وهذا منهج معروف في كلام العرب، إذا أقسموا على شيء منفي صدروا جملة القسم بأداة نفي مثل هذه الآية.

وثانيها: تأكيده بنفس المقسم.

وثالثها: تأكيده بالمقسم به وهو إقسامه بنفسه لا بشيء من مخلوقاته، وهو سبحانه يقسم بنفسه تارة وبمخلوقاته تارة.

ورابعها: تأكيده بانتفاء الحرج وهو وجود التسليم.

وخامسها: تأكيد الفعل بالمصدر، وما هذا التأكيد إلا لشدة الحاجة إلى هذا الأمر العظيم، وإنه مما يعتنى به ويقرر في نفوس العباد بما هو

<<  <   >  >>