الغضب في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جثا على ركبتيه، ثم قال:((ألا لا -ثلاث مرار- إنما الصدقة خمس، وإلّا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلّا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلّا فثلاثون، فإن كثرت فأربعون))، قال: فبادره حنيفة قال: فأشهدك يا رسول الله إنها أربعون من التي كنا نسميها المطيبة في الجاهلية، قال: فودّعه حنيفة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:((فأين يتيمك يا أبا حُزيم))، قال: هو ذاك النائم، قال: وكان شبيه المحتلم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:((لعظمت هذه هراوة يتيم))، ثم إن حنيفة وبنيه قاموا إلى أبا عِرْهم، فقال حزيم: يا رسول الله، إن لي بنين كثيرة، منهم ذو اللحى، ومنهم دون ذلك، وهذا أصغرهم وهو حنظلة، فقسمت عليه يا رسول الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:((ادنُ يا غلام، فدنا منه، فرفع يديه فوضعهما على رأسه، ثم قال: بارك الله فيه))، قال الذيال: فرأيت حنظلة يؤتَى بالرجل الوارم وجهه، والشاة الوارم ضرعها، فيتفل في كفّه، ثم يضعه على صلعته، ثم يقول: باسم الله، على أثر يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم يمسح الورم فيذهب.
وكذلك غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- عند حثّ خباب -رضي الله عنه- بالصبر على ما يلقاه من أذى:
عن قيس بن أبي حازم، عن خباب -رضي الله عنه- قال:((أتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو متوسّد بردة في ظل الكعبة، فشكونا إليه، فقلنا: ألا تستنصر لنا؟ ألَا تدعو الله لنا؟ فجلس محمرًا وجهه، فقال: قد كان من قبلكم، يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه، فيجعل فرقتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشّط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يصير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت، ما يخاف إلّا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)).