وخباب هو ابن الأرت، وكان ممن أوذي في الله، سُبي في الجاهلية، فاشترته أم أنمار، وكان حدادًا، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يألفه قبل النبوة، فلمّا شرّفه الله بها أسلم خباب، فكانت مولاته تعذبه بالنار، فتأتي بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ليكفر، فلا يزيده ذلك إلّا إيمانًا.
وقوله: متوسّدٌ بردة -أي: كساء مخططًا- والمعنى: جاعل البردة وسادة له، من توسّد الشيء جعله تحت رأسه، فشكونا: أي الكفار، ألَا تدعو الله لنا، أي: على المشركين فإنهم يؤذوننا، فقوله: محمرًا وجهه، أي: من أثر النوم، ويحتمل أن يكون من الغضب، وبه جزم ابن التين. قاله الحافظ.
فيُحفر له بصيغة المجهول، أي: يجعل له حفرة، بالمنشار -بكسر الميم- وهو آلة يشقّ بها الخشبة، فيجعل فرقتين: أي يجعل الرجل شقين، يعني: يقطع نصفين، ما يصرفه ذلك: أي لا يمنعه ذلك العذاب الشديد عن دينه، ويمشّط بصيغة المجهول بأمشاط الحديد، جمع المشط وهو ما يتمشّط به الشعر، ما دون عظمه من لحم وعصب.
قوله: والذئب على غنمه: أي ما يخاف إلا الذئب على غنمه، ولا يخفى ما فيه من المبالغة في حصول الأمن وزوال الخوف، ولكنكم تستعجلون: أي سيزول عذاب المشركين، فاصبروا على أمر الدين كما صبر من سبقكم، قال ابن بطال: أجمعوا على أنّ من أكرِه على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرًا عند الله ممن اختار الرخصة.
وأما غير الكفر، فإن أكره على أكل الخنزير مثلًا فالفعل أولى.
قال المحققون من العلماء: إذا تلفّظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلّا مجرى المعاريض، فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، ومتى لم يكن كذلك