يستنبط منهما من أقيسة، ولم يكن افتراقًا، بل كان خلافًا في النظر، ولا شك أن هذا النوع من الاختلاف فيه تيسير على المسلمين، يقول عمر بن عبد العزيز: ما أحب أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا لكان الناس في ضيق".
وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في (حلية الأولياء) عن عبد الله بن الحكم قال: سمعت مالك بن أنس -رحمه الله تعالى- يقول: "شاورني هارون الرشيد في أن يعلق (الموطأ) في الكعبة، ويحمل الناس على ما كان فيه، فقلت: لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكلّ عند نفسه مصيب، فقال: وفقك الله يا أبا عبد الله".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في (الفتاوى): "صنّف رجل كتابًا في الاختلاف، فقال أحمد: لا تسمه كتاب الاختلاف، ولكن سمه السعة"، وروى ابن سعد في (الطبقات) عن الواقدي قال: "سمعت مالك بن أنس يقول: لمّا حجّ المنصور قال لي: إني قد عزمت على أن آمر بكتبك هذه التي وضعتها فتنسخ، ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها بنسخة، وآمرهم أن يعملوا بما فيها، ولا يتعدوه إلى غيره، فقلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل هذا، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل، وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وأخذ كل قوم بما سيق إليهم، ودانوا به من اختلاف الناس، فدع الناس وما اختار أهل كل بلد منهم لأنفسهم".
وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله تعالى: "وأما بالنسبة إلى إمام في فروع الدين؛ كالطوائف، وهي المذاهب الفقهية الأربعة، فليس بمذموم، فإن الاختلاف في الفروع رحمة، والمختلفون فيه محمودون في اختلافهم، مثابون في اجتهادهم، واختلافهم رحمة واسعة، واتفاقهم حجة قاطعة".