تستكمل رزقها وأجلها، إنه هذا الإنسان هو وحده الذي يتحرر من العبودية للعباد بدخوله في العبودية لرب العباد؛ إذ كيف تنحني جبهته لأية قوة على ظهر الأرض وهو يعلم أن الأمر بيد خالق السموات والأرض ومن فيهن؟! وكيف تذل نفسه لعبد من تراب؟!
يقول ابن رجب -رحمه الله تعالى-: فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب فهو تراب، فكيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب؟! أم كيف يرضي التراب بسخط المالك الوهاب؟! إن هذا لشيء عجاب!.
إن هذه العقيدة لتنتزع كل مظهر للجبن من القلب الذي تعمره، فتدفع صاحبها إلى جهاد الكفار والطغاة دون أن يحسب لوسائلهم وأساليبهم أي حساب، ولماذا ينشغل بالحساب لهم وقد ضمن له خالقه وخالقهم أن يستوفي رزقه وأجله، ولماذا يجبن وهو يعلم أن المقدور نازل به لا محالة، وغير المقدور لن يحيق به أبدًا؛ فما أحسن قول من قال:
أي يومي من الموت أفر ... يوم لا قدر أو يوم قدِر
يوم لا قدر لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجو الحذِر
إن النفس المؤمنة بقدر الله -سبحانه وتعالى- لتنعم بنعمة أخرى لا تعدلها نعم الدنيا كلها؛ إنها نعمة الرضا في كل حال؛ ذلك أن هذه النفس ترى أن المقادير تجري بأمر الله -عز وجل- ومشيئته وتدبيره وأن الأحداث تنبثق بحكمة الله وإرادته، وهو يعلم والناس لا يعلمون كما قال تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(البقرة: ٢١٦)؛ فتعلم هذه النفس المؤمنة أن الله الذي قدر لها الخير أو الشر حكيم رحيم؛ فلا تبطر نعمة ولا تجزع من مصيبة؛ فهي شاكرة في السراء صابرة في الضراء، أمرها كله خير كما، قال