وبملاحظة رد الرسل عليهم نرى التسليم للخصوم بأنهم بشر، ويذكرون أن البشرية لا تتنافى أن يمن الله بالرسالة على من يشاء من البشر.
وفي هذا النوع من الجدل استدارج للخصم واستجلاب لإصغائه، وربما كان من الممكن بهذه الطريقة ثنيه عن الإنكار، بعد بيان فساد العلاقة بين القضية المسلَّمة والنتيجة التي رُتبت خطأ عليها.
يقول الشهرستاني:"واعلم أن الموافقة في العبارة على طريق الإلزام على الخصم من أبلغ الحجج، وأوضح المناهج، ومن طرق الجدل التي تساير الطبائع الإنسانية، وتُرضي الغرائز البشرية ما عرف بقياس الخَلف، وهو جدل يثبت الأمر بإبطال نقيضه. ومثاله قوله تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النساء: ٨٢) فقد أثبت قول الله هذا أن القرآن من عند الله تعالى، بإبطال أنه من عند الله؛ لأنه خلا من الاختلاف اللازم له لو كان من عند غير الله".
ومن الطرق التي تراعي هذه الطبائع ما نلمسه من بعض صور الجدل، التي تتجه إلى مناصحة المدعو وإرشاده، والأخذ بيده إلى الصواب، وتوجيه نظره إلى ما حوله ليأخذ منه الفائدة، وهذه السور تراعي الجدل في ثناياها، وترد عليها في إجمال وتدليل.