فقد لاحظت هذه الآيات أقوال الخصوم واعتراضاتهم، من غير أن توردها، وردت عليها في إيجاز ودليل ملموس، وبذلك تأخذ بيد المستمع إلى الحق عن طريق وضع الأدلة السهلة الواضحة.
ومن الطرق التي راعت طبائع الناس: مجاملة الخصوم وعدم الرد المباشر على دعاويهم، مع عدم التسليم بها، كقوله تعالى:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(سبأ: ٢٤) وكقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}(الزخرف: ٨١) وذلك لأن المجاملة أدعى إلى الطاعة وأقوى في التأثير.
٣ - ملاحظة التنوع البشري:
يختلف الناس في مجادلاتهم؛ فمنهم المجادل العنيد، ومنهم المناقش السهل، ولقد راعى الجدل هذه الاختلافات، فمع العناد يلجأ إلى إفحام الخصم وإلزامه، ثم يأخذ بيده إلى الحقيقة، ويبينها له في وضوح، فلقد كان المعاندون يطلبون في إصرار أن يكون الرسول ملكًا؛ لإزالة اللبس من إرسال البشر، فرد الله إصرارهم في وضوح وإيجاز، وعرفهم لو أنه لو أرسل ملكًا على صورته الملكية لهلك الناس من رؤيته، ولو جعله على صورة البشرية -يعايشهم ويدعوهم في بشريته هذه- لبقي اللبس وطلبوا ملكًا آخر، وهكذا في تسلسل لا ينتهي، وهو محال نشأ من طلبهم المحال، وعليهم بعد ذلك أن يُسلموا بالرسول البشر.
ومن أمثلة هذه المراعاة قوله تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا}(الأنعام: ٩١) وفي هذه الآية بيان لإنكار اليهود إنزال الوحي على بشر هو محمد، بينما هم يؤمنون برسالة موسى -عليه السلام. وقد رد الله عنادهم