هذا التساؤل نجزم بأنه ليس له جواب في تراجم المازري لأنه من الأمور التي لا يهتبل لها الكاتبون، ولعلهم لا يجدون لها حلاّ لأن المترجم نفسه لم يكتب عن نفسه، وعن الأسباب التي دعته إلى ذلك، وربما نظفر بذلك تلميحاً في بعض كتبه حين نتعمق في الدراسة وهذه جهة يفترق فيها المازري عن الغزالي فإن هذا الأخير كتب عن نفسه وفكرته، وكيف حصلت له المعرفة التي لم تلتق بقلبه دفعة واحدة، بل تدرجت نفسه في المعرفة تدريجا وصل به إلى نقطة النهاية حتى أصبح الغزالي يسبح في بحار المعرفة الحقة دون أن يخاف من هذه السباحة أو يخشى الغرق كما يحصل للجاهلين الذين يخوضون في بحار المعرفة دون أن تكون لهم براعة في السباحة فيضِلوا في تلك البحار فيصبحوا من الغرقى.
وقد حدثنا الغزالي عن نفسه في كتابه المنقذ من الضلال فإنه شفى الغلة، وأبرد تعطش الباحث حين أخبرنا عن نفسه:"ولم أزل في عنفوان شبابي منذ راهقتُ البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن، وقد أناف السن على الخمسين أقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، أتوغل في كل مظلمة، وأتهجَّم على كل مشكلة، وأقتحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، واستكشف أسرار كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومستنن ومبتدع"، إلى أن يقول:"وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دَأبي، وديدني من أول أمري وريعان عمري غريزة وفطرة من الله وُضِعَتَا في جبلتي، لا باختياري وحيلتي حتى انحلت عني رابطة التقليد، وانكسرت على العقائد الموروثة على قرب عهد سن الصبا"(٩٦).
لكن وإن لم نظفر بمثل هذا النص الفريد الذي كتبه الغزالي عند المازري