للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: أنه على فرض التنزل مع النظّام بأن يكون التكذيب من الله تعالى راجعاً للمشهود به وهو {إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ} لكن ليس على ما ذهب إليه، بل إظهار لما هو في قرارة نفوسهم من زعمهم الكاذب في عدم الإِقرار بالنبوة فيكون المعنى أنهم يزعمون أنهم كاذبون في هذا الخبر الصادق.

المذهب الثالث: مذهب الجاحظ (١١٠) وهو محط النظر لأنه هو الذي تناوله في المعلم، وإنما بإجمال، وهذا تفصيله مع دليله.

ينكر الجاحظ انحصار الخبر في الصدق والكذب كما هو مذهب أهل السنة وكما هو مذهب سلفه النظّام الذي لا مخالفة بينه وبين أهل السنة في الانحصار، وإنما مخالفته فيما هو المراد بالتطابق، وأمّا الجاحظ فيرى أن هناك واسطة بين الصدق والكذب لأنه يرى أن الصدق يتوقف على مطابقة أمرين، وهما الواقع واعتقاد المتكلم، والكذب هو عدم المطابقة فيهما فكأنه أراد التوفيق بين سلفه النظّام، وما عليه غيره (١١١) أو هو رأي ذهب إليه دون قصد التوفيق وهو الأقرب.

وبناء على رأي الجاحظ فإنه يلزم عليه أن تكون هناك أخبار لا توصف بصدق ولا كذب، وهي الأخبار التي تكون مطابقة للواقع لكن يعتقد المتكلم أنها غير مطابقة، أو يكون غير معتقد شيئاً، وكذلك في عدم المطابقة للواقع والمتكلم يعتقد المطابقة، أو ينتفي اعتقاده بأن لا يكون له اعتقاد أصلاً.

وذهب الجاحظ إلى ما ذهب إليه إعتماداً على ما استنتجه من قوله تعالى: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} سبأ (٨)، من أن هناك تلك الواسطة لترديد المناوين للنبيء - صلى الله عليه وسلم - إخباره بالحشر والنشر كما جاء في قوله تعالى:


(١١٠) الجاحظ أبو عثمان عمر بن بحر الأديب العالم الشهير (٢٥٠).
(١١١) المراد بالغير غير الأشعرية لأن ظهور الأشعرية بعد الجاحظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>