وأفكاره كلها تدل على ما له من قوة الاجتهاد لكنه وقف عند مدرسة إمامه مخافة أن يخالفها.
والغزالي وإن لم يجتهد ويخالف مذهب إمامه الشافعي إذ كان من رجال المذهب الشافعي حتى ألّف فيه كتبه الشهيرة التي من أشهرها الوجيز الذي هو عمدة المذهب الشافعي (١٢٣) لكنه اجتهد من ناحية أخرى، وأحدث طريقة جديدة في الاعتقاد والأحكام.
[مغالاة الغزالي وتواضع المازري]
ونلمس ما جاء في حق الغزالي من التغالي والاعتداد بالنفس في تسمية كتبه مثل كيمياء السعادة حيث إن فيه جرأة وادعاء لأنه خص هذا الكتاب بأنه السر المكتوم لمن يريد السعادة.
وكأنّه يقصد به أن قارئه يحصل به ما يحصّله علم الكيمياء من سلب الخاصية المعدنية وجلب خاصية جديدة حتى تنقلب الأعيان ويصير النحاس ذهبا والرصاص فضة، فكذلك قارئه ينقلب من إنسانية إلى أخرى فيصير إنساناً عارفاً بما جهله العالم كله فيعرف نفسه وربه، ودنياه وعقباه.
فالغزالي يرى من نفسه أنه يستطيع أن يخطو بالإِنسان هذه الخطوة الشاسعة ويصير إلى حيث يلتقي مع سعادته بانقلاب عينه كما تنقلب المعادن الرخيصة إلى جواهر ثمينة، وهو أمر عجيب في تكوين البشرية تعجز عنه العوامل الكثيرة فضلاً عن غيرها.
ثم إنه لم يتحقق هذا الأمر إلا لكتاب الله تعالى الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) يَهْدِي