الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلاً للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها حكم شرعي ترعاه ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها" (١٢٢).
ينبغي أن نقف عند التصوير الدقيق الذي صوره لنا المازري وأبرز فيه نفسية الغزالي، وكيف أنها لها جرأة تامة على الحقائق دون تثبت في الخطى.
ونستطيع من هاهنا أن ننبعث ونتعرف على نفسية الرجلين وتكييف انطلاقهما في الميادين العلمية: فالغزالي صاحب جرأة في إبداء آرائه بدون أن يقيسها على خطوات الأئمة المتقدمين القيس الذي يراه صاحبنا فهو متحرر في ذلك لا يرى لأية سلطة نفوذاً على نفسه، فهو في أجواء واسعة يصنعها لنفسه كيف يشاء بينما المازري قد قيّد نفسه بالخوف من مخالفة الأئمة الذين يتبعهم.
ولا يُظن أن المازري يسوّي بين الغزالي الفلاسفة في عدم مراعاة الأحكام الشرعية والتقيّد بها حيث يقول: "فأكسبته قراءة الفلسفة جراءة على المعاني وتسهيلاً للهجوم على الحقائق لأن الفلاسفة تمر مع خواطرها وليس لها حكم شرعي ترعاه، ولا تخاف من مخالفة أئمة تتبعها".
وإنما يقصد أنه اكتسب منهم الجرأة على التكلم في الحقائق بدون مراعاة الظروف المحيطة. وندرك من هذه الانطلاقة لماذا لم يجتهد صاحبناً ولم يكوّن لنفسه مذهباً خاصاً به وإن كانت أسباب الاجتهاد متوفرة عنده ووسائل الاستنباط والاستخراج لا تنقصه فهو مجتهد لا يرى لنفسه حق الاجتهاد لأن أقواله