فالجمع بين أمرين قد يبدو أنهما متناقضان حسب النظرة العجلى غير المثبتة، وهما العقل والنصوص الواردة فيما تنبني عليه العقيدة هو الذي جعل هذا الرجل المتزن في عقله وسلوكه وتواضعه يمشي مع الأشعرية حيث الدين والعقل يسلكان بالإِنسان إلى ما يجعل إيمانه راسخاً في نفسه رسوخاً لا يتزلزل لأن الإِيمان إذا لم يصادمه العقل كان إِيمانا يجد المستقر الدائم في قرارة النفوس.
فلهذا تجنب المازري الاعتزال لأنه لم يتأت له هذا التوفيق الذي وجده في غيره. فمثل من كان مستجمعاً لهذه القيم لا يكون في اعتقاده الذي أملاه في دروسه وكتاباته إلا مطمئناً لما بين جنبيه، ولما يجري على لسانه، ولما يخطه قلمه.
فليس هناك عامل دافع للآراء المتزنة المتمثلة في هذا الأشعري الرصين غير الدافع الفكري الذي يزن بين الأشياء بميزان العدل الصحيح المظهر للأشياء على وجهها الحقيقي. والكثير يتهاون بأمر هذا الجمع الذي هو التوسط بين أصحاب السنة والمعتزلة في النظر في العقيدة وأصول الدين ويرونه أمراً ليس له كبير أثر في عقائد الناس مع أنه لولا هذا الجمع بين التسليم بعقيدة أهل السنة مع التدليل عليها والنظر فيها نظر المتكلمين باستعمال أدلتهم لا في تحريف السنة، بل في شرح السنة لكان الأمر ضد السنة. وسندرك الإِدراك البين كيف أن هذه الطريقة دافعت عن العقيدة الإِسلامية الغوائل الكثيرة، وكيف أنها حافظت على عقيدة الجماهير بما نأَتي به من مناظرة الإِمام أبي بكر الباقلاني الأشعري.
اعتنى الملك عضد الدولة فناخسرو بن بويه الديلمي (١٠١) بأن يكون
(١٠١) عضد الدولة أبو شجاع فنا خسرو بن ركن الدولة بن بويه الديلمي كان من الملوك العظام، وكان فاضلاً محباً للفضلاء مشاركاً في عدة فنون، توفي سنة (٣٧٢)