للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ولكي لا تذهب بنا الظنون إلى أن المازري ليس مستبحراً في أصول الدين بل الأمر بالعكس فإنه من الغواصين ولكنه كان يرى أن الاشتغال بجلب حجج الخصم وتفصيل الكلام بدقة ربما لا يتفطن لها أربابها. ثم بعد ذلك يأتي في دور الرد عليها وفيه ما يضر أكثر مما ينفع فإن تلك الحجج التي للخصم حين توضع في صدر الكلام تصادف قلباً خالياً فتتمكن منه فإذا ما أتى الرد ربما لا يجد مساغاً في النفس وإن كان قوياً ثابتاً مقنعاً.

فلذلك نراه يعمد إلى الرد من أول وهلة سالكاً مسلكاً خاصاً في الرد مخالفاً فيه لمذاهب غيره، وهو ما أداه إلى انتقاد سلوك بعض المؤلفين الذين يريدون إظهار اطلاعهم على مذاهب غيرهم ليظهروا بذلك أنهم لا يجهلون مذاهب الخصم فإذا ماكرّوا عليها بالانتقاد كان ذلك عن بينة وهو ما صنعه الكثير وبالأخص الغزالي لكن وراء ذلك ما وراءه.

فهذه طريقة خاصة في تدعيم آرائه وهي الطريقة التي تقلدها وهي عند تدقيق النظر وصل إليها بالاجتهاد وإنما كان في اجتهاده مسايراً لما هو المذهب الحق.

وهذه الطريقة إنما هي للمتشبع الممتلىء من النظر المتمكن من بحثه إذ تكفيه لأنه يكتفي بالإِيجاز ويقنع بدون ذلك حتى بالإِشارة. وذهب صاحب المعلم إلى ما ذهب إليه قياساً على ذكائه وسعة اطلاعه فإنه غواص نبيه يقع على مراده من أقرب السبل وأسهلها فلذلك اكتفى في الكثير من ردوده ومسائله بالإِيجاز لا الإِيجاز المعقّد وإنما الإِيجاز في الاقتصار على عين المقصود دون بسط أو تمهيد ينسى الغرض منه، فهو لم يكن كأصحاب الكتب المؤلفة على طريقة أشبه بالإِلغاز منها بالكلام المقصود منه البيان ومسلكه هذا خاص بالمعلم دون بقية كتبه.

ومن أجل هذه الطريقة الخاصة وضع القاضي عياض كتابه إكمال المعلم حتى يلتقي معه في آرائه وبذلك يكتمل هذا الكتاب. وسنوضح المسلكين

<<  <  ج: ص:  >  >>