وقد وضع المعتزلة في الميزان اللائق حيث إنه ردد كلام ابن عمر بين كونه يحمل على التكفير أو لا يحمل عليه، وعلى فرض أنه يدل على تكفيرهم فهذا على أحد القولين في القدرية فيجعل تكفيرهم افتراضاً لأنه افترض أنه يدل على التكفير كما افترض أنه لا يدل عليه حين قال:"إن كان أراد بهذا الكلام تكفير من ذكر". ويقصد "بمن ذكر" القدرية.
ولم يبين كيف يمكن حمله على التكفير وغيره اكتفاء منه بنباهة المستمع والقارىء، وما قاله يتضح بالتدبر في كلام ابن عمر -رضي الله عنه-.
ويدل موقفه المتقدم من المعتزلة أنه له ميل شديد إلى كونهم لم يمرقوا من الإِسلام كغير المتشرعين من الفلاسفة إذ هؤلاء وضعوا لأنفسهم خطة خاصة بهم، وهي أنهم لم ينهجوا منهجاً دينياً. وأما المعتزلة فإنهم كانوا في آرائهم متصيدين لها من القرآن والسنة غير أنهم التوت عليهم الطرق فتاهوا فهم لم ينبذوا الدين جملة، وإنما حرَّفوا في بعض أفهام لهم خاصة، فشتَّان بين الفريقين.
وكما تناول هذه المسألة صاحب المعلم تناولها مثله القاضي عياض في إكماله لهذا الكتاب وكان في تناولها باحثا مع أصله ولم يخرج في مناقشاته عن الإكبار له.
فناقشه أولاً في أن قول ابن عمر: إن القدرية لا تقبل نفقاتهم يدل على أنهم كفار عنده، لأن الأعمال إنما يحبطها الكفر.
وناقشه ثانياً: أن القدرية الأولى لا خلاف في كفرهم، وإنما الخلاف في قدرية اليوم.
فالقاضي يجنح إلى أن القدرية الأولى ليست محل خلاف بين المتكلمين لأنهم نفوا القدر جملة، ومن نفاه جملة لا يشك في مروقه من الدين.
ثم إن ابن عمر وإن لم يصرح بالتكفير فعبارته كالصريحة في ذلك لأن