للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تعلم غَيبِي ولا أعلم غيبك فيصح أن يراد بالحديث ها هنا أن العبدَ إذا ذكر الله عز وجل مُخْلِيًا بحيث لا يطّلع عليه أحد (أثابه وقضى له من الخير بما لا يطَّلِع عليه أحد) (٥) وقد قَال عَزَّ مِن قائل {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (٦). فأخبر الله سبحانه أنه يَنفَرِد بعلم بعض ما يجزي به المتقين.

وقد اضطرب العلماء في الأنبياء والملائكة عليهم السّلام أيهم أفضل؟ ويتعلق من قال بتفضيل الملائكة بظاهر هذا الحديث وقال: "فإنه قد ذكرته في ملإ خير منهم" وأجاب الآخرون: بأن المرادَ به بذكرٍ خير من ذكره وهذا بعيد من ظاهر اللفظ ولكن الأوّلِين إنما تمسكوا بخبر واحدٍ ورَد بلفظ يتعلق فيه بالعمومِ. وفي التعليق بالعموم خِلَاف وخبر الواحد لا يؤدي إلى القطع وهذا يمنع من القطع بما قالوه.

وأمّا قوله: "وإن تَقَرَّب مِنّي شِبرا تقرّبت منه ذراعا" وَقَوله: "وإن أتَاني يمشي أتيته هرولة" فمجاز كله وإنما هو تمثيل بالمحسوسات وتفاوتهِا في الإسراع والدنوّ فإنما المراد أن من دنَا منّي بالطاعة دنوت منه بالإثابة (وكنت بالإثابة) (٧) أسْرعَ منه بالطاعةِ وأن من أتاني بحسنةٍ جازيته بعشر فكنّى عن التضعيف بالسرعة ودنوّ المسافة. فهذا الذي يليق بالله سبحانه. وأما المشي بَطِيُّه وسريعه، والتقّرب بالذراع والباع فَمِن صفات الأجسام والله سبحانه ليس بجسم ولا يجوز عليه تنقُّل ولا حركهّ ولا سكون وهذا واضح بَيِّنٌ.


(٥) ما بين القوسين ساقط من (ب).
(٦) ١٧) السَّجدة.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (ج).

<<  <  ج: ص:  >  >>