وما ذهب إليه التاج السبكي من هذا التعليل بعيد كل البعد لأن انتقاد المازري ليس متوجهاً في هاتين الناحيتين، وإنما هو متوجه نحو ناحية خارجة عنهما وهي رواية الأحاديث الواهية دون تثبت فيها بإثبات ما ثبت إسناده، ورد ما لم يثبت.
فأي دخل في المذهبية واختلافها في هذه المسألة، وقصارى ما ذكره المترجم نقداً للإِحياء هو أن التورع يقتضي أن يتحَرَّى غاية التحري في الرواية حتى لا يُنسب قول إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو لم يصدر عنه، والتشديد في الوعيد في التساهل في أمر الحديث لا يخفى.
ثم إن المازري في رده عليه لم ينسب إليه الوضع والكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه بريءٌ من هذا وإنما لم ينقد ما رواه فجاءت بعض الأحاديث مروية في كتابه الإِحياء وهي محل نظر.
وحاشا المازري أن يحط من مقام عالم مصلح مثل الغزالي وإنما مراده أن هذا الكتاب لو نقي من الأحاديث الواهية والنظريات التي رآها مجارية للفلسفة وغيرها مما لا يرتضيه لكان حريا بالإقبال عليه.
ولو أردنا تقريب المسافة بين التاج السبكي وصاحبنا لا تّضح لنا أن الأول يرى أن تلك النقائص في الإِحياء لا تشينه ولا تمنع من مطالعته على علاته إذ هي من قبيل ما لا تسلم منه المؤلفات حسبما ذكره والده جواباً عن انتقاد ابن الصلاح وغيره على الغزالي.
واللائق بابن الصلاح وأمثاله أن يشكر الله على ما أنعم به من الخير، وما قيض الله له من الغزالي، وأمثاله الذين تقدموه حتى حفظوا له ما يتعبد به وما يشتغل به، وما يحتمل هذا الموضع بسط القول في ذلك وإذا كان في الإِحياء أشياء يسيرة تنتقد لا تدفع محاسن أكثره التي لا توجد في كتاب