ونجزم أن هذا الإِملاء كله كان في رمضان واحد سنة (٤٩٩) لأن عبارته هذه لا يستفاد منها إلا أنه كانت القراءة في السنة المذكورة دون غيرها، إذ لو كانت القراءة على سنوات في رمضانات متعددة لوقع التصريح بذلك وبهذا يُعلم طول نفسه في درسه إذ أن عدد صفحات الكتاب كله تبلغ (٧٨٢) بالخط الدقيق. أما لو قدرت بحسب الطبع فإنها تتجاوز الألف صفحة مع أن عدد أيام رمضان أقصاها ثلاثون يوما فيكون المدون عنه يومياً خمساً وعشرين صفحة مع دقة الخط. وهذا شيء له أهميته.
ولا غرابة في ذلك مع ما ذكرنا من التمهل حتى تمكن المتلقي أن يدون بتلك الصورة لطول مدة الدرس لأن رمضان في تلك السنة يكون في شهر أُفريل وماي إبان الأخذ في طول النهار. إذ دخول تلك السنة (٤٩٩ هـ) في ١٣ سبتمبر (١١٠٥ م). والأقرب أن ابتداء دولة الإِقراء للحديث بعد صلاة العصر وتستمر إلى المغرب، وهي ثلاث ساعات ونصف كما هو الشأن في الدروس الحديثية بمناسبة رمضان.
وهذه الحصة رغم طولها فإنا إذا نظرنا في الكتاب نراه مشحوناً بالفوائد المتنوعة المختلفة الدالة على سعة وتمكن صاحبها من ناصية الكثير من العلوم كما سيتضح بعدُ بمطالعته.
وأفادنا ابن الأبّار أن المازري لم يقصد تأليفه، وشرح لنا ابن الأبّار كيفية تأليف المعلم ونصه: ولقي أيضاً أبا عبد الله المازري بالمهدية وحكى عنه أنه سمعه يقول وقد جرى ذكر كتابه "المعلم بفوائد صحيح مسلم: إني لم أقصد تأليفه وإنما كان السبب فيه. أنه قرىء على كتاب مسلم في شهر رمضان فتكلمت على نقط منه، فلما فرغنا من القراءة عَرض علي الأصحاب ما أمليته عليهم فنظرت فيه وهذبته. فهذا كان سبب جمعه"، أو كلاماً معناه هذا (التكملة ج ٢ ص ٩٣٦) في ترجمة عبيد الله بن عبد الله ... ابن عيشون الذي تلقى عن المازري بالمهدية.