في ظني أن تلاميذه كثيرون وتأثرهم به تأثر بالغ، لا يقل عمن تقدمه أو تأخر عنه، وإنما لم يتمكنوا من نشر علمه في الناس بسبب ما وقع من سقوط المهدية العاصمة وغيرها من البلدان الساحلية في يد النرمان ومن أحداث أخرى بلبلت الأفكار فإنهم لا شك قد تفرقوا شذر مذر لقرب ما بين وفاته وسقوط المهدية وغيرها، فوفاته سنة ٣٦، في القرن السادس وسقوط المهدية سنة ٤٣ في القرن نفسه.
ثم إن الفوضى التي كانت عليها البلاد لا تدع وقتا لطلبته أن يبثوا علمه حتى يشار إليهم بأنهم تلاميذ المازري الذين يحملون فكرته كما هو الأمر مع سحنون وابن عرفة فإن تلاميذهما كانوا تعريفا بالغا بهما. وهناك أمر آخر لا شك أن له تأثيره، وهو أن إفريقية انضوت تحت لواء الموحدين وهم محاربون لمذهب مالك وداعون الناس للعمل بالحديث، وكان اعتمادهم على "سنن أبي داود"، ففي هذا الجو المعاكس تضاءل المذهب المالكي فلم يستطع رجاله أن يشتهروا كما اشتهر غيرهم في الأزمنة السابقة واللاحقة.
تفوّق المازري تفوقاً لا ارتياب فيه، وإنما هناك أمر آخر غير ما تقدم يدعو إلى قلة تلاميذه عن الإِمامين سحنون وابن عرفة، وهو أن المهدية التي عاش فيها لم تصل في اتساع العمران مثل القيروان وتونس في عصرهما.
وترجع قلة تلاميذه إلى أمر آخر، وهو أنه عاش في ضعف الدولة، بخلافهما فإنهما عاش كل منهما في دولة قوية خاصة سحنون فإنه عاش في عصر الدولة الأغلبية وهي لم تفقد شبابها حتى قرب عصر انقراضها، بخلاف الدولة الصنهاجية فإنها توالت عليها المحن من الزحف المتدفق من الأعراب، ومن انقسام الدولة، ومن التفكك المريع نتيجة الوثوب على السلطان.
يدعو كل من الأمرين أن دروسه لا تزخر بالطلبة كما زخرت دروس سحنون وابن عرفة، والكثرة لا تخلو من نبغاء بخلاف القلة فإنها مظنة عدم وجود النبغاء إلا في القليل النادر.