للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"إنّها بيع ثمر النخل بالتمر" وزاد في طريق آخر: "الكرْم بالزبيب كَيْلا". وفي بعض طرقه (٧٣): "بيع الزَّرْعِ بالحنطة كيلا". وقال في بعض طرقه: "عن كل ثَمر بِخِرْصه". وَعقْدُ المذهب في المزابنة عندنا أنَّهَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهولٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَبَيْعُ مَجْهولٍ بمجهول من جنس واحد أيضًا.

فإن كان الجنس مما فيه الربا دخله وجهان من التحريم: الرِّبَا، والمزابنة. أما دخول الرِّبا فيه فلجواز أن يكون أحدهما أكثر من الآخر، ولا فرق بين تجويز ذلك أو تيقُّنه في المنع. وأما دخول المزابنة فيه فلأن أصل الزبن في اللغة الدفع ومنه قوله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (٧٤) يعني ملائكة النار لأنهم يدفعون الكفرة فيها للعذاب (٧٥). ومنه قيل للحرب زَبُون لأنها تدْفَعُ بَنِيهَا للموت. ومنه قول معاوية -رحمه الله-: ربما زبنت، يعني الناقة، فكسرت أنف حالبها. يقال للناقة إذا كانت عادتها أن تدفع حالبَها عَنْ حَلْبها زَبُون، فكأنَّ كل واحد من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقه بما يزْدَادُ منه، وإذا وقف أحدهما على ما يكره تدافعا فحرص على فسخ البيع وحَرَص الآخر على إمضائه.

وهذا شبيهٌ بتسميتهم ما يؤخذ عن العيب أرْشا لما فيه من التنازع والخصومة، يقال: أرشتُ بَيْن القوم تأْرِيشا إذا أفسدتُ وألقيت بينهم الشر: والأرش مأخوذ من التأريش. وإذا ثبت أن هذا أصله فإذا كانت الأشياء متجانسة انصرفت الأغراض إلى القلة والكثرة فيقول كل واحد: لعل ما آخُذُه أكْثر فأغبن صاحبي (٧٦). وهذا لا يرتفع حتى يكونا جميعا معلومين. وأما


(٧٣) في (ج) "وفي طريق آخر".
(٧٤) (١٨) العلق.
(٧٥) في (ب) "ملائكة العذاب لأنهم يدفعون الكفرة في النار".
(٧٦) في (ج) "فنغبن صاحبي".

<<  <  ج: ص:  >  >>