وقد أجاب المازري عن هذا بجواب يدل على تقديره للظروف دون تسرع إلى القدح في أولئك الحكام الذين أولاهم أهل الكفر.
ومن أحسن ما علل به هو أن أولئك الباقين في دار الكفر قد يكون بقاؤهم هنالك لغاية شريفة وهي: أنهم أقاموا بدار الحرب اضطراراً، وإقامتهما هذه لا إشكال أنها لا تقدح في عدالتهم.
والمهم الأمر الثاني الذي يدعو إلى عدم نفي العدالة عن المقيمين بدار الحرب وهو أنهم إذا كان لهما تأويل صحيح وهو أن إقامتهم بدار الحرب برجاء هداية أهل الحرب ونقلهم عن ضلالتهم وبذلك لا تنفى عنهم العدالة.
واستدل على صحة ما ذهب إليه بما أشار إليه الباقلاني من أيمة المالكية وبما أشار إليه أصحاب مالك في تجويز الدخول لدار الحرب لفكاك الأسير.
فأنت ترى في هذا الجواب ما يدل على أن المازري يعرف كيف يطبق الأحكام في الظروف الحرجة التي تنتاب المسلمين حتى يخفف من المصيبة الحالة بهم، فهو إذ لما يفت بعدم عدالة قضاة دار الحرب كان قد حافظ على الإِسلام في تلك الديار. ولنفاسة هذه الفتوى نأتي بها بنصها.
"القادح في هذا وجهان: الأول يشتمل على القاضي وبيّناته من ناحية العدالة، فلا يباح المقام في دار الحرب في قياد أهل الكفر، والثاني من ناحية الولاية إذ القاضي مولّى من قبل أهل الكفر. والأول له قاعدة يعتمد عليها في هذه المسألة وشبهها وهي تحسين الظن بالمسلمين ومباعدة المعاصي عنهم فلا يعدل عنها لظنون كاذبة وتوهمات واهية كتجويز من ظاهره العدالة، وقد يجوز في الخفاء وفي نفس الأمر أن يكون ارتكب كبيرة إلا من قام الدليل على عصمته. وهذا التجويز مطرح، والحكم للظاهر إذ هو الراجح، إلا أن يظهر من المخايل ما يوجب الخروج عن العدالة، فيجب التوقف حينئذ حتى يظهر ما يوجب زوال موجب راجحية العدالة، ويبقى