للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما الوديعة فاضطرب أصحابنا فيها؛ فمنهم من أجراها مُجْرى اللّقطة والسرقة، ومنهم من فرَّق بينهما. والفرق عنده أن كل موضع تعذر فيه على المالك إِقامة البينة اكتُفِي فيه بالصفة ولا يمكن أن يسقط للإِنسان (٥) ماله ببيّنة فاكتفي فيه بالصفة. وكذلك السرقة لأنه لا يُسرق له ماله ببيّنة فاكتفي أيضاً فيها بالصفة إذا جهل المالك. وأما الوديعة فيمكن مودِعَهَا أن يتَحرز بالإِشهاد ففارقت اللقطة والسرقة فصارت مسألة اللُّقطة أصلا في الرد بالصفة. فمن رأى أن العِلة كونُ المال لا يدعيه حائزه لنفسه أجرى الثلاث المسائل مُجْرًى واحدًا ومن أضاف إلى هذه العلة أن مالكه لا يمكنه الإِشهاد عليه أيضاً فارقت الوديعة اللُّقْطة والسرقة.

وأما اليسير من اللقطة فلم يُجْرِه مالك مُجرَى الكثير (٦) واستخف فيه التعريف ولايبلغ تعريفه سنة. وقد تقدم: "أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بثمرة في الطريق فقال -عليه السلام-: لولا أني أخاف أتكون من الصدقة لأكلتها". وهذا تنبيه على أن اليسير الذي لا يرجع إليه أهله يُؤكل. وعند أبي داود عن جابر: "رخَّص لنا النبيء - صلى الله عليه وسلم - في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به.

وقد حد بعض الناس القليل بنحو الدينار فيما أظن تعلقا بما خرّج أبو داود عن عليّ -رضي الله عنه-: "أنه دخل على فاطمة -رضي الله عنها- وحَسَنٌ وحسين -عليهما السلام- يبكيان فقال: ما يبكيكما؟ قالت: الجوع. فخرج علي -رضي الله عنه- فوجد دينارا في السوق فجاء إلى فاطمة -رضي الله عنها- فأخبرها. فقالت: اذهب إلى فلان اليهودي فخذ لنا دقيقا، فجاء اليهوديَّ فاشترى به دقيقا. فقال: اليهودي: أنت ختَن الذي يزعُم أنه رسول الله؟ فقال: نعم. فقال: فخذ دينارك ولك الدقيق، فخرج علي حتى جاء إلى


(٥) في (ج) "الإِنسان".
(٦) في (أ) "الكبير".

<<  <  ج: ص:  >  >>