ولا يكتفي بالدليل الواحد، بل يعدد الأدلة فبعد أن ذكر الدليل الأول المتقدم ذكر دليلاً ثانيا وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"تأتوني يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". وحلل هذا الدليل بأنه من مليح استعارته - صلى الله عليه وسلم - وبليغ اختصاراته لأن الغرة في الوجه والرأس، أي لأن الغرة بياض في جبهة الفرس وبالطبع أن تتصل بالرأس. والتحجيل (بياض يكون في قوائم الفرس) أي في اليدين والرجلين فقد استوفى - صلى الله عليه وسلم - الأربعة الأعضاء المذكورة في القرآن التي هي جملة الوضوء المفروض بذكر الغرة والتحجيل.
وفي أمره بإطالة الغرة ما يقتضي الأمر بدخول المرفقين فى الغسل.
ثم يستدل للنافي لدخولهما بأنه تعالى قال:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}(٦) المائدة. وأصل (إلى) في اللغة الغاية. وإذا كان المرفقان نهاية الذراعين لم يكونا منه لأنهما لو كانتا منه لكانت الغاية غيرهما. وهذا خلاف في الظواهر.
٣) يمتاز فقهه باعتماده على العلوم الطبية وغيرها فنراه في الجزء الأخير من شرح التلقين حين تكلم على البلوغ قال بأنه كالمشعر بالكمال العقلي الطبيعي وإنما يطلب بعده عقل مكتسب من التجارب. ثم حين يتبسط في الكلام على علامات البلوغ يذكر قوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}(٥٩) النور.
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاث" ويذكر الصبي.
ويذكر أن الاحتلام وإنزال الماء علامتان قاطعتان على البلوغ لكن هناك علامات أخرى مختلف فيها منها الإِنبات والسن.
ويذكر أن الإِنبات لا يراه أبو حنيفة، ثم يقول: والمشهور من مذهبنا كونه علَما. واستدل على ذلك بحكم سعد في بني قريظة، ولكنه تغلب عليه الناحية الطبية فيستدل للحنفية باختلاف الأمزجة ويتبسط في ذلك.